[نصيحة لزوج يسيء الظن بزوجته]
السؤال
زوجي رجل مستمسك بدينه والحمد لله، وحسن الخلق مع الآخرين، ولكنه يشدّ علي، ويسيء الظن بي، ويتلمس أخطائي، ولا يرعى كوني امرأة ضعيفة أمانة بين يديه، فهل يحق لي طلب الطلاق منه، أرجو منكم توجيه النصيحة لزوجي أثابكم الله؟
الجواب
الله المستعان! أولاً وقبل كل شيء: احمدي نعمة الله عز وجل أن رزقك الله زوجاً بهذه المثابة، ما دام أنه يخاف الله عز وجل وفيه حسن خلق، وما كان من إساءة الظن، ففي بعض الأحيان قد يقسو الرجل على زوجته من باب الغيرة، وحب الخير لها، وفي قرارة قلبه هو يحبها ويجلها ويكرمها، فيدخل الشيطان على المرأة بالظنون، فأوصيك دائماً أن تجعلي احتمالاً مضاداً لهذا الاحتمال حتى يضعف سلطان الشيطان على قلبك.
ثانياً: أرجو لك عند الله أجراً عظيماً، وثواباً جليلاً كريماً إن صبرت على هذا الزوج، وأرجو لك من الله أن يعوضك على صبرك في دينك ودنياك وآخرتك؛ لأن لله سنناً لا تتبدل ولا تتحول، والله لا يضيع أجر الصابرين، ولا يخيب أمة أو عبداً صبر لوجهه.
فأنتِ إذا صبرتِ على عبد صالح ترجين رحمة الله؛ فأنتِ على خير، وأما الحدة والشدة فلا خير فيها، وقد كان أبو بكر رضي الله عنه في الإحرام يضرب عبده وهو محرم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (انظروا إلى هذا المحرم) يعني: هو في إحرامه وهو يضرب.
فكان عند الصحابة قسوة، حتى إنه لما دخل على ابنه عبد الرحمن قسا عليه قسوة شديدة في قصة الضيف المعروفة، وقال له: اخرج غدر.
فقد يكون الإنسان صالحاً وفيه حدة، فالصبر على هذا الصالح المحتد أجره عظيم عند الله عز وجل وثوابه عظيم.
فأوصيك بالصبر، فإذا جاوز حدوده فبالإمكان الاستعانة بمن يوثق فيهم، فإذا كان له عم أو والد أو أخ كبير، فتعرضين الأمر عليه عن طريق أخيك، وإذا لزم الأمر تكلميه مباشرة أو عن طريق الهاتف أن فلاناً يقسو زيادة عن اللازم، وتحددي الأمور التي تضايقك ولا تستطيعين الصبر عليها.
أما الطلاق فليس هو الحل، بل هو نهاية الحلول، وما دام أنه رجل يخاف الله عز وجل؛ فأوصيكِ إذا جاوز الحد أن تقولي له: اتقِ الله عز وجل، فإن المؤمن إذا قيل له: اتقِ الله؛ رعدت فرائصه من الله عز وجل خوفاً من الله سبحانه، فأنتِ عندك سلاح متين.
وأخاف عليكِ -لا قدر الله- إن طلقكِ ألا يبدلك الله خيراً منه، وقد تجدين من يهش لك ويبش، ولكن تجدين منه من الشؤم والبلاء ما لا يخطر لك على بال، وهذه سنة الله عز وجل، أنه إذا أنعم على العبد أو الأمة بنعمة ونظر إلى غيرها أنه يصرفها عنه ويذيقه الويلات فيما انصرف إليه.
ولا أقول لكِ: أنه كامل، ولا أحملكِ فوق طاقتكِ، أنا أقول: ما دام أنه يخاف الله، فبيدكِ سلاح عظيم وهو التذكير بالله عز وجل، ولذلك قولي له: اتقِ الله؛ لأن التقي يخاف من الله عز وجل.
فعندك أمر تستطيعين أن تحلي به مشاكلك وهو تذكيره بالله، وإذا كان لا يسمع منك فكما ما ذكرنا تنظرين إلى العاقل من قرابته وتعرضين الأمر عليه، وثقي ثقة تامة وليثق كل إنسان في هذه الحياة أنه لن يجد شيئاً كاملاً، وأن الحياة جبلت على النكد والبلاء والكد: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤]، فالله عز وجل الذي خلق كل شيء، وقدر كل شيء، وعلم بكل شيء سبحانه، وأحاط بكل شيء رحمة وعلماً, ووسع كل شيء رحمة وعلماً يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤]، فأقسم سبحانه وتعالى بالبلد الأمين، وأقسم برسوله وهو حال فيه، وبكل ما خلق: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٣ - ٤] أي: في تعب وعناء.
فإذا كان التعب والعناء تستطيعين أن تصبري عليه فهذا خير لكِ، والحكماء والعقلاء على مر العصور والدهور ما كانت حياتهم إلا صبراً وتجلداً، فتجلدي واصبري يا أمة الله، فإن الله يصبركِ.
وما يدريكِ فلعل الله أن يخرج منك من هذا الرجل ذرية صالحة، واحمدي الله عز وجل أن زوجكِ لم يبتلَ بالمخدرات، ولم يبتلَ بالمحرمات، واحمدي الله عز وجل أنه لا يأتيك آخر الليل سكران، ولا يأتيك آخر الليل -والعياذ بالله- من عند مومسة، أو من بعد حرام أو من بعد فحش وآثام، فاحمدي الله عز وجل، وقولي: بعض الشر أهون من بعض، وكم من امرأة أقض مضجعها زوج يقلقها بالمحرمات، ويسبها ويسب أهلها وذويها وقرابتها، واحمدي الله عز وجل أنه لم يظلمكِ في مال، ولم يظلمكِ في فراش، واحمدي الله عز وجل على أشياء كثيرة.
ولابد من وجود النقص، فالإنسان ضعيف، وأنتِ ضعيفة وأضعف منه، لكن الله سبحانه وتعالى يجبر كسركِ ويعينك إن صبرتِ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وجدنا ألذ عيشنا بالصبر).
فما طابت الحياة إلا بالصبر، والصبر لا يكون إلا بالأذية والتعب والعناء، وأشد ما تكون الأذية والتعب والعناء من القريب، ولذلك إذا أراد الله بعبده خيراً ابتلاه، وإذا أراد أن يعظم له الأجر في البلاء جعل بلاءه من أقرب الناس إليه.
الزوجة يؤذيها زوجها، وابن العم يؤذيه ابن عمه وقريبه، والشيخ يؤذيه طالبه، قد يعلم طالباً ثم يوماً من الأيام يرميه بنبله، أو يسييء الظن به، أو يتهجم عليه، فلابد من الأذية والبلاء.
وإذا أتتك الأذية من أقرب الناس إليك؛ رفع الله درجتك، وأعظم أجرك، وأجزل مثوبتك، وجعل عاقبتك لك.
يا أمة الله! إن الله وعدكِ وعداً لا يخلفه والله لا يخلف الميعاد، بشيء واحد إن حققتيه وقمتِ بحقوقه وآمنت به وصدقتيه، فإن الله سبحانه وتعالى سيجعل أمره بين يديه: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:١٢٨].
فلا تنظري إلى ما أنتِ فيه اليوم، ولا تنظري إلى الهم والغم، فإن هذا من الشيطان، ولذلك كل امرأة تأتيها الهموم والغموم وتنظر فيها وتتأملها؛ تزداد عليها الهموم، ويدخل الشيطان عليها، ولكن إذا نظرت إلى أن الله معها، وأن هذا ابتلاء، وأنها سنة الحياة؛ والله ثم والله لو أن زوجك صفا لك من الكدر، ونعمت حياتك معه؛ إذا بكِ تفاجئيه بأولادك قد خرجوا عليكِ, وإذا سلمت من الأولاد؛ سلّط الله عليكِ صويحباتك، فلن تسلمي من البلاء، وما يزال المؤمن في هم وغم وكرب وبلاء، ومن بلاء إلى بلاء حتى يقف على أبواب الجنة، ويطأ بقدمه أعتابها، فيقول كما قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:٣٤]؛ لأن الدنيا سجن المؤمن.
أتظنين أن زوجك إن طلقكِ أنكِ ستعيشين حياة هنية سعيدة؟! أتظنين أنه لو جاءك زوج آخر أنكِ ستعيشين معه حياة سعيدة، وأنكِ ستجدين فيه الكمال والخير الموجود في زوجكِ، ثم هذا النقص الموجود فيه يكمل؟! يا أمة الله! الصبر الصبر، وقد قال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (ومن يصبر يصبرّه الله)، تذكري ثم تأملي وتفكري في الأيام التي مضت والسنين التي انقضت وأنتِ في الهم والغم، كم لكِ من درجات وحسنات وأجور وخيرات وبركات لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى!! فاحمدي الله، واصبري بصبر الله.
أما الكلمة الأخيرة فأوصي هذا الزوج أن يتقي الله، وأوصي الإخوان والصالحين دائماً أن يتواصوا بحقوق الأهلين والزوجات، وإذا جلس الصديق مع صديقه ينبه لمثل هذا، سواء في حقوق السهر، أو الفراش، أو حقوق المال والنفقة، فإذا رأيت صديقك أو قريبك مقصراً في ولده، كأن يكون بخيلاً، فهو رجل صالح طيب ولكنه لا ينفق على ولده، بل يقتر على ولده وعلى نفسه، فعليك أن تقول له: اتق الله.
فأوصي الصالحين أن يوصي بعضهم بعضاً بالله عز وجل، ويقول: اتق الله عز وجل في أهلك وولدك.
ففي بعض الأحيان تراه يسهر إلى ساعات متأخرة ولا يأتي إلى زوجته إلا في ساعات متأخرة، وهذا لا يأمن على زوجه الحرام، وقد لا يأمن عليها الآثام, فلينصح بعضنا بعضاً، وليذكر بعضنا بعضاً.
وأوصي هذا الأخ أن يتقي الله في أمة الله، وأن يرحم ضعفها، وأن يرفق بها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (إني أحرج حق الضعيفين: المرأة واليتيم).
فالله الله في حقها، وليتذكر ما أمره الله عز وجل به: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.