للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الجمع بين صلاة الجمعة والعصر في السفر]

السؤال

هل يجوز جمع صلاة الجمعة والعصر للمسافر، أثابكم الله؟

الجواب

هذه المسألة الأصول الشرعية تقتضي جواز الجمع بين الجمعة والعصر، وهذا لا إشكال فيه من جهة الأصول، أي: لا فرق بين الجمعة وبين الظهر.

لكن الأصل أن المسافر لا يصلي الجمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ جمعة في سفره ألبتة، وهذا أمر واضح وجلي، حتى إنه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع كان معه مائة ألف نفس في عرفات، وكان بالإمكان أن يجمِّع ولو مراعاة لأهل مكة، ومع ذلك لم يصلِّ الظهر جمعة.

ومن هنا نص العلماء على أن المسافر في الأصل لا تجب عليه الجمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر ومعه العدد الذي تصح به الجمعة وما صلّى جمعة واحدة.

ومن هنا كان يشدد بعض مشايخنا رحمة الله عليهم في خروج الإنسان وهو مسافر يجمِّع بالغير؛ لأنه لا يجمع بهم إلا من كان منهم، من أجل تحقيق هذه السنة الثابتة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروفة من هديه وسنته عليه الصلاة والسلام.

والجمع بين الصلاتين يشدد فيه بعض الحنابلة، وبعض المتأخرين يقول: دليلنا أنا وجدنا العلماء يقولون: يجمع بين الظهر والعصر، وما وجدناهم يقولون: يجمع بين الجمعة والعصر، لكن هذا ليس بدليل، فالعلماء رحمهم الله يذكرون الأصل وينبهون به على ما حلّ محله، ولذلك الجمعة إذا صلاها فإنه يصح له أن يجمع بعدها العصر، ولكن إذا أراد أن يخرج من الخلاف ويحتاط فهذا شيء آخر.

أما من حيث الأصل فإنه لا إشكال في جواز أن يجمع العصر إلى الجمعة، وليس هناك دليل بمنع ذلك، بل الرخصة التي أحل بها الجمع هي وجود السفر، ووجود السفر موجب للرخصة، ولا فرق بين الجمعة وبين غيرها، ولذلك إذا فرق المفرق فعليه بالدليل.

لكننا نقول: إذا احتاط وصلى الظهر وجمع إليه العصر فلا بأس.

وبعض مشايخنا رحمة الله عليهم يقولون: يحضر الجمعة فينوي بها الظهر ولا ينويها جمعة, فإذا نواها ظهراً فلا إشكال، ووجه واحد أنه يجمع العصر إليها؛ لأنه يصلي وراء الإمام بنية الظهر، ويصح أن يصلي الظهر لاتحاد صورة الصلاتين، واختلاف النية مخرج على حديث معاذ رضي الله عنه؛ لأن الشرط ألا تختلف صورة الصلاتين، فإذا أراد أن يخرج من الإشكال فينوي المسافر الظهر، ويستفيد من حضور الجمعة للذكرى.

والفرق: أنه إذا حضرها بنية الظهر جاز له أن يتكلم، وجاز له أن يتحرك، وجاز له أن يفعل؛ لأنه ليس بمجمع أصلاً، وهذا مبني على أصل عند العلماء رحمهم الله، وخاصة أن المسافر لا تجب عليه الركعتان الأوليان من الظهر، وقد قالوا: إن الخطبتين منزلة منزلة الركعتين خاصة في الحاضر.

فإذا ثبت هذا فإنه يدخل بنية الظهر، ثم يحضر الجمعة ويستفيد، ويصلي العصر جمعاً، وإن أراد أن يدخل بنية الجمعة طلباً لفضيلة الجمعة فلا بأس؛ لأنه يحصل له فضيلة أفضل من الظهر، إلا أن الوالد رحمة الله عليه كان يختار أن تكون نيته للظهر؛ لأن اتباع السنة بعدم التجميع أولى وأقوى، وإن كان الأصل في ظاهره أن الجمعة أفضل من الظهر، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>