بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب حد القذف] القذف في لغة العرب: الرمي، يقال: قذف بالشيء إذا رماه، والمراد به في الشريعة المعنى الخاص وهو الرمي بالفاحشة، وقولنا: بالفاحشة، المراد بها الزنا أو اللواط، وعلى هذا إذا اتهم شخصٌ شخصاً وقذفه بالفاحشة زناً أو لواطاً؛ فإنه قاذف، والعرب تجعل هذا المعنى الخاص من معاني الرمي، ويقال: رماه، إذا اتهمه، فالرمي هو التهمة: رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوي رماني والقذف باب عظيم، وهو حد من حدود الله عز وجل، اجتمع فيه دليل الكتاب والسنة، تعظيماً لشأنه، وتحذيراً للعباد منه، ومن أعظم الورطات التي تهلك الإنسان في دينه، ودنياه، وآخرته؛ أن يكون طليق اللسان في اتهام عباد الله عز وجل، وإذا أرادت عيناك أن ترى رجلاً يتقحم نار الله على بصيرة؛ فانظر إلى ذلك الذي لا يتورع عن اتهام الناس، والوقوع في أعراضهم، ويسهل عليه القبائح والأمور التي لا تليق بالمؤمنين والمؤمنات، فإذا وجدته كذلك، وسهل عليه أن يلفق التهم في الدين والعرض؛ فاعلم أنه من أعداء الله ورسوله، ولو تقمص في ذلك ثوب النصيحة وثوب الإحسان، فإن الله لا يطاع من حيث يُعصى، وما من مؤمن يقرأ نصوص الكتاب والسنة متجرداً إلا أورثه ذلك الخوف من الخوض في أعراض المؤمنين والمؤمنات، وعلم أن اللسان يقوده إلى النار شاء أو أبى إذا لم يردعه بالخوف من الله سبحانه وتعالى.
ولذلك حذر الله عباده وإماءه من الخوض في أعراض المؤمنين، وجعل المسلم الحق على لسان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم من عرف كيف يزم لسانه، فسلم المسلمون من ذلك اللسان، فلا يتهم مؤمناً أو مؤمنة بالزور والباطل، وكان السلف الصالح رحمهم الله يشددون في هذا الأمر أيما تشديد، فإذا أرادت عيناك أن ترى إنساناً مؤتسياً بالسلف؛ فانظر إلى ذلك الورع الذي يخاف الله في أعراض المؤمنين والمؤمنات، وإذا أرادت عيناك أن ترى عالماً بحق يلتزم منهج السلف في الخوف من الله ومن أعراض المؤمنين والمؤمنات؛ فانظر إلى ذلك العفيف اللسان، الذي يربي طلابه وأتباعه على ذلك.