قال رحمه الله:[وإن قال: إن قدم زيد فله ما أوصيت به لعمرو، فقدم في حياته فله، وبعدها لعمرو].
إن قال:(إن قدم زيد فله ما أوصيت به لعمرو) هذه وصية معلّقة، كأن يقول مثلاً: إن قدم زيدٌ إن ذهب عمرو إن حصل كذا وكذا إن افتقر فلان فأعطوه، وإلا أعطوا فلاناً، المهم أن هذه الوصية المعلقة مبنية على شرط، وينبغي علينا أن نتقيد بهذا الشرط.
فإذا قال: إن قدم زيد فله، أي: قد أوصيت له بما أوصّيت به لعمرو، كأن يكون عنده عشرة آلاف ريال، وزيد هو ابن عمه القريب، وعمرو ابن عمه البعيد، فأراد أن يوصي للأقرب ثم الأقرب، فقال: هذا المال لزيد بشرط أن يقدم قبل وفاته، فإذا لم يقدم قبل وفاته قال: فإنه لعمرو، وهذا هو معنى قوله:(إن قدم زيد فله)(له): بمعنى يملك، والوصية التي وصّيت بها لعمرو من عقار ومن منقول له، أي: لزيد، فزيد لا يملك هذا الموصى به إلا إذا تحقق الشرط وهو: قدومه قبل الوفاة، كما أخبر: إن قدم زيدٌ فله ما وصّيت به لعمرو، أياً كان هذا الشيء الذي وصَّى به.
فقوله:(إن قدم زيدٌ) أي: قبل وفاته؛ وهذا أمر واضح بأنه يُرتَّب القدوم على أساس أنه يَقْدم قبل وفاته، فإن توفي ولم يَقْدم زيد؛ سقط استحقاق زيد وبقيت الوصية على ما هي عليه.
وبناءً على ذلك: يفصل في هذه المسألة فنقول: إنه من حيث الأصل أراد المصنف بهذا التمثيل أن يبيِّن أن الوصية المعلقة ينبغي علينا أن نتقيد بشروطها وبالتعليق الوارد فيها، كأن يقول: إن قدم زيدٌ إن جاء الغد وقدم زيدٌ إن انتهى الشهر إن انتصف الشهر إن جاءت الجمعة إن غابت الشمس، فهذه كلها وصايا معلقة، فتعلق بالزمان، أو بالمكان، أو بالأفعال، فأي شيء اشترطه الموصِي، وكان شرطاً معتبراً خالياً من الغرر والإبهام والجهالة، فإنه محتكمٌ إليه؛ لأن من حق الموصِي أن يوصِي مطلقاً، ومن حقه أن يوصِي مقيداً، فمن حقه أن يقول: وصَّيت لعمرو بعشرة آلاف، ولا يعلِّق ولا يقيِّد ولا يشترط؛ ومن حقه أن يقول: وصَّيت لزيد بعشرة آلاف بشرط ألا يَقْدم عمرو قبل وفاتي، أو ألا يكون فلان محتاجاً؛ لأنه في بعض الأحيان تجده يقول: هذه عشرة آلاف ريال تُعطى لبني عمي من بني فلان إذا كانوا محتاجين وإلا فتعطى لبني فلان.
فمعنى ذلك: أننا نصرفها إلى الأول الموصَى إليه بشرط تحقق وجود الحاجة، ونصرفها إلى الثاني متى ما تخلف الشرط في الأول، وهذا أمر معتبر، أي: أنه يجب علينا أن نتقيد بشروط الموصِي.
ومناسبة هذه المسألة: أنه ذكرها بعد الرجوع، وهذا فيه نوع من اللطف، وهو أن الرجوع تارةً يكون رجوعاً مطلقاً، مثل أن يقول: وصّيت لعمرو، ثم يقول: ألغوا الوصية، فهذا رجوع مطلق، وتارةً يكون رجوعاً بقيد؛ لأنه حينما قال: إن قدم زيدٌ فله ما وصيت لعمرو؛ معناه: أنه رجع عن وصيته لعمرو بشرط قدوم زيد، فصار رجوعاً معلّقاً.
فبعد أن فرغ -وهذا من دقته رحمة الله عليه- من الرجوع المطلق، شرع في الرجوع المعلق، وإلا فالأصل أن مسائل الأشياء التي يُوصِي بها -المعلقات- سيأتي بيانها والإشارة إليها.