بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فقد تقدم أن الإجارة لا تصح إلا إذا توفرت فيها الشروط الموجبة للحكم بصحتها، وأن هذه الشروط هي: جملة من العلامات والأمارات التي نصبها الشارع للحكم بصحة عقد الإجارة، فهناك علامات وأمارات متى ما وجدت حكمنا بصحة العقد، ومتى ما فقدت أو فقد بعضها حكمنا بفساده وعدم اعتباره.
وذكرنا أن هذا النوع من الشروط يسمى بشروط الصحة، وقد ذكر المصنف رحمه الله للإجارة ثلاثة شروط: الشرط الأول: معرفة المنفعة.
والشرط الثاني: معرفة الأجرة.
وحينما ذكرنا معرفة الأجرة ذكرنا أن الأصل الشرعي يقتضي أنه لا يصح عقد الإجارة إلا إذا كان العامل على علم بمقدار الأجرة المدفوعة له، وكذلك الأجير يعلم قدر العوض الذي يأخذه عن إجارته.
ثم ذكرنا أنه يستثنى من هذا الأصل أن يكون هناك عرف يجري بتحديد الثمن، فإذا كان هناك عرف يجري بتحديد الثمن في المركوبات ونحوها، وتعاقد الطرفان على الإجارة، ولم يذكرا الأجرة لأنها معروفة معلومة عند الطرفين فإن هذا مغتفر، لكن الأصل يقتضي أننا لا نحكم بصحة عقد الإجارة إلا إذا كانت الأجرة معلومة عند الطرفين، ذكرنا أن العلة في ذلك والسبب: أنه متى ما كانت الأجرة مجهولة فإن هذا يفضي إلى النزاع وإلى الخلاف بين الطرفين كالحال في البيع، وأن جهالة الثمن في البيع توجب مفسدة الخلاف وهضم الحقوق، كذلك أيضاً الجهالة في الأجرة بين الطرفين، فإنها توجب النزاع والشقاق، وتوجب الظلم أيضاً، فلربما دخل العامل والأجير وهو يظن أنه ينال أجرة كبيرة، فإذا بها أقل مما كان يتوقع، وبناء على ذلك قلنا: لابد من معرفة الأجرة.
فلو سأل سائل: ما هو الأصل في الأجرة؟ تقول: أن تكون معلومة ومعروفة القدر، يذكر جنسها وقدرها ونوعها بما تنضبط به في السند والبيع، وأن هذا الأصل إذا فقد في الإجارة فإننا نحكم بفسادها.
ولو سألك: ما الذي يستثنى؟ تقول: يستثنى من ذلك أن يكون هناك عرف يحدد الأجرة، كركوب السيارات أو القاطرات أو الطائرات، فعلم أن أجرة التذكرة بخمسين أو بمائة، فلا بأس أن يركب ولا يحدد الأجرة، لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً أو كالمشروط لفظاً، هذا من حيث الأصل.
إذاً: في الشرط الثاني عندنا أصل واستثناء، وهذا يلتبس على بعض طلاب العلم، لكن ينبغي أن يعلم أن الأصل: وجوب معرفة الثمن ومعرفة الأجرة، وأن الاستثناء يكون عند وجود عرف يحدد الأجرة، والسكوت عن الأجرة من الطرفين في هذا النوع الخاص من الإجارات لا يؤثر ولا يضر؛ لأنه معلوم بداهة، فهو وإن كان مجهولاً في الظاهر لكنه معلوم من حيث الباطن عند الطرفين.