للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[توضيح قاعدة: (إذا خرج النص مخرج الغالب لم يعتبر مفهومه)]

السؤال

ما معنى القاعدة التي تقول: إن النص إذا خرج مخرج الغالب لم يعتبر مفهومه؟

الجواب

للنص منطوق ومفهوم، المنطوق: هو دلالة اللفظ نفسه من حيث عمومه وخصوصه، فتنص السنة أو ينص الكتاب على حكم، كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، تقول: دلت الآية على وحدانية الله بمنطوقها: فوصف الله سبحانه وتعالى نفسه بكونه واحداً، وهذا نص من المنطوق.

أما بالنسبة للمفهوم -وهو قسيم اللفظ المنطوق- فإنك إذا نظرت إلى لفظ الآية ولفظ الحديث تجد أن اللفظ يدل على معنى يسمى: المنطوق، وتجد خلافه، أي: عكس اللفظ هو: المفهوم.

ومن أمثلة ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (في السائمة الزكاة)، فيصدق على البهيمة من الإبل والبقر والغنم إذا كانت ترعى وتسوم، هذا المنطوق، لكن المفهوم هو أنها (إذا لم تكن سائمة فلا زكاة فيها).

كذلك أيضاً قال تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:٦] هذا منطوق الآية، وهو أنه إذا بلغ اليتيم، وهو الشرط الأول، وكان رشيداً، وهو الشرط الثاني، {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:٦]، إذا بلغ وكان رشيداً يجب دفع المال إليه بمنطوق الآية ونصها، لكن مفهوم قوله: {آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء:٦] أنه إن لم تؤانسوا منهم الرشد فلا تدفعوا إليهم أموالهم، فهذا يسمى المفهوم.

وأقسامه: مفهوم صفة، وشرط، وعلة، ولقب، واستثناء، وعدد، وحصر، وظرف زمان، وظرف مكان، وغاية، هذه عشرة أنواع للمفاهيم: وقد جمعها بعض العلماء بقوله: صف واشترط علل ولقب ثنيا وعد ظرفين وحصر إنحيا هذه المفاهيم العشرة تعتبر عند العلماء على اختلاف فيما هو حجة منها وما ليس بحجة، فالمفهوم في بعض الأحيان يكون معتبراً وأحياناً يكون غير معتبر، فأنت إذا نظرت إلى قوله: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، إذا كنت تعتبر أن مفهوم العدد حجة تقول: إذا كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث، وإذا كنت تعتبر أن مفهوم العدد ليس بحجة فتقول قوله: (إذا بلغ الماء قلتين) لا مفهوم له، أي: لا أعتبر له مفهوماً، هذا بالنسبة لمفهوم العدد.

لكن قوله: إذا خرج النص مخرج الغالب فلا مفهوم له، مثال ذلك: لما قال الله عز وجل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:٢٣]، المرأة إذا تزوجتها وكانت لها بنت، فهذه البنت تسمى: ربيبة، والغالب في البنت إذا كانت مع أمها أن تتربى في حجر زوج أمها، فهو الذي يرعاها ويقوم عليها؛ لأن والدها قد طلق أمها، أو مات عن أمها مثلاً، ففي هذه الحالة تتربى في الغالب في حجر زوج أمها، وإذا ثبت أن الربيبة في الغالب تتربى في حجر زوج أمها فيكون قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:٢٣]، كأنه خرج مخرج الغالب، فتقول: لا أعتبر مفهومه؛ لأن مفهومه أنها إذا لم تترب في حجره -كأن يتزوج أمها وهي كبيرة- حينئذٍ يجوز له نكاحها كما يقول الظاهرية، لكن الجمهور يقولون: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:٢٣] لا مفهوم له؛ لأنه خرج مخرج الغالب.

ومن أمثله -ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) فقال: (باتت) والبيتوتة لا تكون إلا بالليل، فتقول: الأمر بغسل اليدين قبل إدخالها الإناء عام، سواء كان مستيقظاً من نوم الليل أو نوم النهار، فيرد عليك الظاهري ومن يقول بالتخصيص فيقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (باتت)، فالحكم خاص بنوم الليل دون نوم النهار، فتقول له: (باتت) خرج مخرج الغالب؛ والقاعدة: أن الغالب في النوم أن يكون في الليل، ولذلك يقولون: إنه خرج مخرج الغالب فلا يعتبر مفهومه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>