[أجر صلاة القاعد]
قال رحمه الله: [وأجر صلاة قاعد على نصف أجر صلاة قائم].
هنا مسألتان: الأولى: الأصل عندنا صلاتان: صلاةٌ مفروضة، وصلاة نافلة، فأما الصلاة المفروضة فمذهب جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم أنه لا يجوز لك أن تصليها قاعداً إلا من عذر.
وذهب الإمام داود الظاهري وأصحابه إلى أنه يجوز لك أن تصلي جالساً وأجرك على النصف من أجر القائم، وهذا إذا كان عندك العذر.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور أنه لا يجوز لك أن تصلي الفريضة قاعداً إلا من عذر، فإن صليت قاعداً من عذر في الفريضة فأجرك كامل.
والإمام داود الظاهري ومن معه يقولون: يصلي قاعداً للعذر ويكون أجره على النصف.
فطبّقوا هذا الحديث على عمومه.
وأصح الأقوال في هذه المسألة أنك إن صليت في الفريضة قاعداً من عذر فأجرك كامل؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له عمله)، وفي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن بالمدينة رجالاً ما سلكتم شعباً ولا قطعتم وادياً إلا شركوكم في الأجر)، وقال هذا الكلام وهو في تخوم الشام صلوات الله وسلامه عليه في غزوة تبوك غزوة العسرة، فقالوا: (يا رسول الله! كيف وهم في المدينة؟ قال: حبسهم العذر)، فدلت هذه الأحاديث الصحيحة على أن المعذور أجره كامل، ولذلك إذا كان الإنسان مريضاً فصلى الفريضة قاعداً فإن أجره على الكمال والتمام.
المسألة الثانية: يجوز لك أن تصلي النافلة قاعداً، ويجوز لك أن تصليها قائماً، ولا إلزام في ذلك.
فإن صليت النافلة قاعداً وأنت قادرٌ على القيام انطبق عليك الحديث في قوله عليه الصلاة والسلام: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)، وذلك أن القعود أقل عناءً وأقل تعباً، ولذلك كان أجره على النصف من أجر القائم.
وجمهور العلماء على أن المراد بهذا الحديث النافلة لا الفريضة، خلافاً لـ داود الظاهري الذي يحمله على الفريضة في حال وجود العذر.
والصحيح أن هذا الحديث الذي يدل على أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم إنما هو في النافلة، فالإنسان مخيرٌ، فلو رأيت إنساناً -كما يفعله بعض الناس بعد صلاة الفريضة- كبّر للسنة وصلاها قاعداً فإنه لا ينكر عليه؛ لأنه مخيّر بين أن يصلي قائماً أو يصلي قاعداً، فإن صلّى قاعداً فأجره على النصف، إلا أنه إذا كان الإنسان معذوراً أو يشق عليه القيام فإن الأفضل له أن يجلس حتى إذا قارب الركوع قام ووقف وأتم قراءته ثم ركع، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يقوم من الليل حتى تفطرت قدماه من طول القيام، وذلك لأنه أخذه اللحم صلوات الله وسلامه عليه في آخر عمره وبدن، فكان يثقل على بدنه صلوات الله وسلامه عليه، فإذا طال القيام عليه كان عبء الجسد على القدمين حتى تتفطر، قالوا: تفطرها أن تتشقق كاللحم يتمزع عن بعضه من طول قيامه صلوات الله وسلامه عليه، فلما ثقل عليه طول القيام كان يصلي قاعداً، تقول عائشة: (حتى إذا بلغ مائة أو قدر مائة آية قام -صلوات الله وسلامه عليه- فأتمهن قائماً ثم ركع).
فهذا أفضل، فلو صليت في التهجد وكنت على تعب أو نصب وأردت أن تجلس فالأفضل أن تجلس حتى إذا قارب الإمام الركوع تقوم وتتم معه حتى تصيب فضيلة القيام ولو في بعض أجزاء ركن القيام.