[حكم من عجز عن أداء الحج بسبب كبر أو مرض مزمن]
[وإن أعجزه كبر أو مرض لا يرجى برؤه] أي: إن عجز عن الحج إلى بيت الله، وذلك بسبب الكبر، فإنه يكون من الحطمة، والدليل على أن الكبر من الأعذار حديث أبي رزين، وذلك عندما سأل النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وقال: (إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستقيم على الراحلة) فهذا يدل على أن الكبر يعتبر من الأعذار؛ لأن الكبر يوهن الإنسان، كما قال سبحانه وتعالى حكاية عن نبيه زكريا عليه السلام لما سأل ربه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم:٤] فذكر حال الكبر أنه وهن في الداخل ووهن في الظاهر، فقال: {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم:٤] وهذا وهن الكبر في الداخل {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم:٤] وهذا وهن الكبر في الظاهر.
فالكبر يضعف الإنسان ظاهراً وباطناً، ولذلك لا يجب الحج على من أصابه الكبر، على وجه لا يستطيع معه أن يقيم الفرائض ويقوم بالأركان؛ فالحج يحتاج إلى جلد وصبر وتحمل، ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بكونه جهاداً، والجهاد لا يجب على الشيخ الكبير الحطمة الذي يستضر.
والكبر نسبي، فبعض الناس يكون كبيراً وهو أجلد من الشاب، فهذا يحج، وبعض الناس قد يعاجله الكبر؛ وذلك بسبب الهموم وما يصيبه ويعتريه من الأمراض، فهذا أمر نسبي لا يتأقت بزمان، فلا نقول: من بلغ خمسين سنة أو ستين سنة فهذا لا يجب عليه الحج، وإنما نرد ذلك إلى أحوال الناس، فقد ترى الإنسان كبير السن والله عز وجل أبقى له العافية، فهذا يجب عليه أن يحج، فليس الكبر عذراً إلا إذا استضر الإنسان ومنعه مانع من القيام بفريضة الحج والعمرة.
قوله: (أو مرض لا يرجى بؤره): فالمرض يكون مانعاً من الحج إذا كان مزمناً، فإن كان المرض مزمناً مقعداً كالشلل ونحو ذلك من الأمراض والأسقام، وفي حكم ذلك الكسور التي تكون في الإنسان ويلزم بها فراشه فلا يستطيع أن يبرحه، فهذه تعتبر أعذاراً في حال وجودها، فإن انجبر الكسر حج من عام يليه، أما في العام الذي ينكسر فيه ويكون الإنسان لازماً لفراشه، فإنه يسقط عنه الحج في ذلك العام.
فالمرض له حالتان: الحالة الأولى: أن يكون مانعاً على الدوام، وهو المرض المزمن، قد يكون الإنسان مصاباً بمرض في قلبه، لا يستطيع معه أن يحج ولا يتحمل معه مشقة الحج، فهذا يسقط عنه الحج.
الحالة الثانية: أن يكون المرض مؤقتاً؛ وهو الذي يحصل للإنسان في فترة زمنية، فهذا يكون مانعاً مؤقتاً، فالتفصيل في المرض على هذين الوجهين.
وشرط كون المرض مانعاً من الحج والعمرة أن يكون مؤثراً، وإذا شك الإنسان في مرضه هل يستطيع معه الحج أو لا، فليرجع إلى قول الطبيب العدل المسلم.
وأما الكافر فمذهب طائفة من السلف: أنه لا تقبل شهادة الطبيب الكافر في ترك النسك والعبادة؛ لأنه متهم في شهادته.
ومذهب طائفة من العلماء: أن الطبيب الكافر إذا وثق فيه وعرف فيه الأمانة عمل بقوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عمل بشهادة الكافر كما في استئجاره لـ عبد الله بن أريقط، وقد تكلم شيخ الإسلام رحمه الله على هذه المسألة في الفتاوى كلاماً نفيساً بيّن فيه أن هدي الشرع بالرجوع إلى مثله.
الشاهد أن المرض إذا شهد به الطبيب العدل أو من يوثق بقوله فحينئذٍ يعتبر مانعاً، فإذا شك المريض في وجوب ذهابه إلى الحج فإنه يرجع إلى قول الأطباء الذين عرفوا بالخبرة، وعرفوا بكونهم مهرة في هذا الأمر، ولا يرجع لكل طبيب.
فإن اختلفت أقوال الأطباء رجح بالأكثرية، فإن لم يستطع وتساوى عددهم رجح بالمهارة، يعني: أن يكون الإنسان معروفاً بمهارته، وهذا أصل ذكره بعض فقهاء الحنفية رحمهم الله في تعارض شهادة أهل الخبرة في مسائل العبادات والعادات.