[حكم الاستهزاء بالصالحين وشعائر الدين]
ذكرنا أن السب معناه: الانتقاص والاستهزاء، وهنا نحب أن ننبه على مسألة مهمة جداً وهي: مسألة الاستهزاء بشرائع الإسلام أو بالأخيار والصالحين، أو بالعلماء، وهذا لا شك أنه تفشى كثيراً خاصة في هذه الأزمنة المتأخرة، وكل من عنده ديانة واستقامة فإنه يتقرح قلبه ويتألم أشد الألم حينما يرى ويسمع من الجرأة على حدود الله عز وجل ومحارمه والاستهزاء بالدين، أو الاستهزاء بشعائر الدين، ومسألة الاستهزاء من الأمور التي يجب على طلاب العلم وعلى العلماء أن يبينوا ويكشفوا للأمة حكمها وحكم هؤلاء الذين ينتقصون الإسلام وأهله.
فبعض أهل الهوى -نسأل الله بعزته وجلاله أن يهديهم ويصلحهم وإلا أن يقطع دابرهم عن الإسلام والمسلمين؛ وأن يخرس ألسنتهم- تجده إذا كتب لا يجد شيئاً يكتب فيه إلا الأخيار والصالحين، فيلمزهم في سلوكهم، وينتقصهم في ديانتهم واستقامتهم، وكأنه لا هم له في صحيفته أو مقاله أو كتابته أو توجيهه إلا هؤلاء الأخيار الصالحين، فتارة يقول: إنه دخل مسجداً فرأى شخصاً على صفة كذا وكذا، ويأتي بصفات أناس على خير واستقامة ثم يقول: وقال لي، وقلت له، والله أعلم بصدقه من كذبه، ولكنه سيقف بين يدي الله عز وجل، وسيعلم إذا كان ظالماً أي منقلب ينقلب إليه.
إن هذه الكتابات المشبوهة التي تشكك الناس في ثوابتها، وتطعن في دينها، وتريد سلخ شباب الأمة من الدين ومحبته، ومن محبة الخير والصلاح، كل هذه الأقلام المشبوهة ينبغي أن تكف وأن تتقي الله عز وجل قبل أن يعاجلها الله عز وجل بعقوبته، ووالله ما من أحد يتهكم بهذا الدين، ويستخف به، إلا أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وليعلم كل أحد أن الكلمة كلمة الله، وأن الدين دين الله، وأنه سيبقى ما بقي الملوان وتعاقب الزمان، بعز عزيز وذل ذليل، وإن ظن هؤلاء أنهم يطفئون نور الله عز وجل فقد ظنوا كذباً، والشيطان قد مكر بهم بهذه الظنون، وسيوردهم الموارد كما أورد من قبلهم، إذا لم يتوبوا إلى الله ويرجعوا.
إن هذه الأفعال وهذه الكتابات من أسباب الإرهاب؛ لأنها تحرض الشباب وتحرض من ينتسب إلى الإسلام على أن يخرج عن طوره، حتى يشك في مجتمعه حينما يجد شخصاً يتبجح في ذات الله عز وجل، ويكتب كتاباً أو ينشر مقالاً يطعن في الله عز وجل وفي أسمائه وصفاته، أو يعرض مسرحية، أو نحو ذلك يستخف فيها بالدين، أو يطعن بها في الدين، ولا يجد له سلعة إلا الدين، رغم كثرة الأمور التي تحتاج إلى الإصلاح والبناء، وإقامة المعوج فيها وتسديد الناس ودلالتهم على ما فيه الخير، وشباب الأمة أحوج ما يكونون إلى أيدٍ أمينة وإلى أقلام نظيفة تبني ولا تهدم، وتصلح ولا تفسد.
الدين هو صلاح كل شيء، وأساس كل خير، ومنبع كل فضيلة، من لم يعرف هذا عن الدين فقد ظلمه وجهله، فعليهم أن يدركوا إدراكاً تاماً أن هذا كله سيكون وبالاً عليهم، وعليهم أن يعلموا أن هذا الدين كبيت الله عز وجل، وأن للبيت رباً يحميه، ودين الله عز وجل ماضٍ.
واعلموا أن الأمة عامة وشباب الأمة خاصة أحوج ما يكونون إلى إصلاحهم في مجتمعاتهم، وإصلاحهم في سلوكهم، في أخلاقهم، في توجهاتهم، في أفكارهم، لبناء أنفسهم ولبناء مجتمعاتهم وأوطانهم وشعوبهم، ولكن للأسف أن هذه الجهود والطاقات توجه كلها ضد الدين.
وليعلم هؤلاء أن الله سبحانه وتعالى له سننٌ لا تتبدل، وله سنن لا تتحول، وكم من شقي عنيد خرج عن المنهج السوي؛ فلعنه الله لعنة دخلت معه في قبره كل شيء إلا اللعب بالدين والاستهزاء به! وإن كان هناك شيء في هذا الأمر فليس هناك أعظم من حرمة الإسلام، ومن حرمة الدين، التي من أجلها أقام الله سماواته وأرضه، وأوجد هذا الكون كله شواهد على هذه الكلمة الصادقة، فكل هؤلاء إذا عبثوا بهذا الدين عليهم أن يعلموا أن الله سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وعلى الآباء والأمهات، وعلى الأسر والمجتمعات، وعلى الناس أفراداً وجماعات، أن ينتبهوا من غرس أسلوب التهكم والسخرية ولو من بدايته، فكل ما يتصل بالدين يقفل باب السخرية به ما أمكن، ويقفل باب الاستهزاء؛ لأن الشيطان يستدرج، وعلى كل إنسان أن يحذر، حتى أن بعض الصالحين يشتكي من بعض إخوانه أنه يقول له كلمات قد تكون مشابهة لكلمات بعض أصحاب تلك المقالات المشبوهة، فعلينا أن نربي أولادنا وأن نربي أنفسنا على تعظيم شعائر الله {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢]، فالدين أشعر الله بتعظيمه، فينبغي الحذر من مثل هذا.
وأذكر على سبيل المثال أن الشيخ الأمين رحمه الله كان يخرج من باب وكان يضع حذاءه عند رجل عند الباب، ويعطيه ما تيسر، وذات يوم كان الشيخ خارجاً من درسه، وكان مشغولاً بالإفتاء؛ يسأله سائل ويفتيه وهو في طريقه، فلما وقف بالباب وضع الرجل حذاءه، فانتعل الشيخ رحمه الله، فقال الرجل: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} [النمل:١٢] يريد مالاً، فغضب الشيخ غضباً شديداً وكهره وطرده، ولم يأذن له أن يأخذ حذاءه بعد ذلك اليوم، كل هذا حتى لا يستدرج الشيطان الإنسان من حيث لا يشعر.
ومن هنا ينبغي تعظيم شعائر الله من الآيات والأحاديث والنصوص وكل ما يتصل بالدين، وينبغي تربية الأبناء والبنات والأفراد والجماعات على تعظيم هذا الأمر، وعلى الخطباء وطلاب العلم دائماً أن يغرسوا هذا الأمر، خاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه الاستخفاف بحرمات الدين.
الخلاصة أن الاستهزاء ذكره العلماء، وبينوا أنه من موجبات الردة، قال بعض العلماء: إن الاستهزاء بالدين والاستهزاء بشعائر الدين وبالصالحين من أسباب سوء الخاتمة -والعياذ بالله- فالغالب أن صاحبها إذا استمرأ هذا وأصبح لا يجد له فاكهة، ولا يجد له لذة، ولا يجد له سوقاً إلا في السخرية والاستهزاء بما ذكرنا؛ فإن هذا يقود -والعياذ بالله- إلى سوء الخاتمة.
ومن قال الكلمة التي تغضب الله عز وجل وتوجب لعنته؛ لعنه الله، فإذا استدرج - نسأل الله السلامة والعافية - لعنه الله لعنة دخلت معه في قبره، وختم له بخاتمة الأشقياء، ولذلك ينبغي الحذر من هذا ما أمكن، ومعلوم لديكم قصة الذين كانوا يستهزئون بالصحابة رضوان الله عليهم حينما قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أجبن عند اللقاء، فأنزل الله عز وجل: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦].
وقال بعض العلماء: هناك من طوائف الضلال من يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويستهزئ بهم، يقول: وبالاستقراء قل أن نجد منهم تائباً، وقل أن نجد منهم من يصلح حاله، وجدنا عبدة الأوثان يرجعون، ولكن هؤلاء تجدهم يتشبثون بسب ولعن الصحابة رضوان الله عليهم، ولكن قل أن تجد منهم تائباً، وهذا يدل دلالة واضحة على الحذر من الاستخفاف والاستهزاء بأولياء الله عز وجل، وبالأخص أهل العلم.
وهذا مما أحببنا التنبيه عليه؛ لأنه كثر، خاصة في بعض مواقع الإنترنت ونحوه -نسأل الله السلامة والعافية- ولعل الله أن ييسر بعض الكلمات إن شاء الله في المستقبل نبين فيها ما ينبغي على طلاب العلم وعلى الأخيار من الحذر من هذه الآفات، فقد أصبحت أراضي المسلمين، وأصبح الإسلام وكرامته ومكانته وهيبته سوقاً لأمثال هؤلاء، فنسأل الله بعزته وجلاله أن يهديهم وأن يصلح من شأنهم، وأن يتوب علينا وعليهم، وإن لم يكونوا مهتدين أن يأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر، وأن يقطع دابرهم عن الإسلام والمسلمين، إنه على كل شيء قدير.