[الحكم إذا علق الطلاق بنوع وولدت توأمين ولم ندر من السابق منهما]
قال المصنف رحمه الله:[وإن أشكل كيفية وضعهما فواحدة] أنت تلاحظ أن المصنف جاء بمسألة إذا قال: إن كان ذكراً، إن كان أنثى، وما إذا سبق أحدهما وتأخر الثاني، ولم يتكلم على بقية المسائل التي أشرنا إليها؛ لأن العلماء عندهم أشياء بدهية معروفة لا ينبهون عليها، خاصة في المختصرات، سواءً كانت من النظم أو النثر، وهم يذكرون المسائل المشكلة والمسائل التي تكون أصولاً لغيرها؛ لأنه حينما نبهك هنا على مسألة الاختلاف فقد وضع لك الأصل في حال التمحض الذي هو أخف حالاً من حال الاختلاف.
في هذه المسألة: إذا قال لها: إن ولدتِ ذكراً فأنت طالق طلقة، وإن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين، وكان في بطنها توأماً ذكر وأنثى، فحينئذٍ يرد
السؤال
إن سبق أحدهما الآخر ولم نعلم هل السابق الذكر أو الأنثى؟ فهل نحكم بطلقة أو نحكم بطلقتين؟ هو قال لامرأته: إذا ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة وإذا ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين فوضعت توأمين، سبق أحدهما الآخر، وأحدهما ذكر والآخر أنثى، فهل نقول: إنها تطلق طلقة واحدة أو نقول: تطلق طلقتين؟ وقد ذكرنا أنه إذا سبق أحدهما فالطلاق للسابق، فإن سبق الذكر فطلقة وإن سبقت الأنثى فطلقتان، فبالتأكيد أنه سبق أحدهما، ولكن المرأة أثناء نفاسها لم يكن عندها أحد، أو وضعت في ظلام وأخرجت الأول ثم الثاني، أو وضعت وعلمت أن الأول أنثى والثاني ذكر أو العكس ثم نسيت، أو التي وضعت كانت لا تعي ولا تتنبه وجاءت التي تقوم على ولادتها فأخرجت ذكراً وأخرجت أنثى ولم نعلم هل الذي سبق الذكر أم الأنثى؟ العلماء -رحمهم الله- عندهم قاعدة تقول:(اليقين لا يزال بالشك)، فإذا ولدت المرأة توأمين متعاقبين مختلفين، بهذين الشرطين: أن يكونا توأمين، وأن يكونا متعاقبين، أي: تلد الأول ثم الثاني بخلاف ما إذا ولدتهما مع بعضهما، إذا ولدت توأمين متعاقبين، وكان طلاقها مختلفاً بحسب اختلاف التوأمين جنساً، بأن يكون طلقة للذكر وطلقتين للأنثى أو العكس، طلقتان للذكر وطلقة للأنثى، وقد تأكدنا أن أحدهما سبق، فعند العلماء قاعدة، يقولون: نحن لا نشك في وقوع طلقة واحدة، أي: متحققون وعلى يقين أنها قد طلقت طلقة واحدة، وهذا ما فيه إشكال؛ لأنه إما أن يكون سبق الذكر وإما أن تكون سبقت الأنثى، والذكر يوجب طلقة والأنثى توجب طلقتين، فهناك طلقة لا إشكال في وقوعها، وهناك طلقة محتملة، حيث يحتمل أن الذي سبق هو الأنثى فتكون قد طلقت طلقتين وتأخر الذكر الذي يوجب الطلقة أو يكون الأمر بالعكس، بأن يكون سبق الذكر وتأخرت الأنثى فوقعت طلقة ولم تقع الطلقة الثانية؛ لأن الأنثى لا طلاق لها؛ لأن المرأة قد بانت بخروجها، فقالوا: اليقين عندنا طلقة والشك في الطلقة الثانية، فنقول: اليقين لا يزال بالشك، والأصل عدم وقوع الطلاق حتى يدل الدليل على وقوعه، فنحن ليس عندنا أمارة ولا غلبة ظن بسبق أحدهما، فتطلق طلقة واحدة، وهذا في حال ما إذا تحققنا أنه سبق أحدهما -بمعنى: التعاقب- ويكون قد خالف في عدد الطلاق، لكن لا تقع هذه المسألة إلا إذا حصل الشك، إذا شك في الذي سبق هل الأنثى أو الذكر؟ أما لو استطعنا أن نميز، ووجدت قرينة تدل على السبق، فحينئذٍ نحكم بالقرينة، مثال ذلك: لو أن المرأة دهمها الطلق فقذفت بالأول ثم قذفت بالثاني، فلما قذفت بالثاني حملته من بجوارها، فحينئذٍ الأول المتلطخ يمكن أن يعلم أو يعرف أنه الذي سبق فننظر فيه: إن كان ذكراً فذكر وإن كان أنثى فأنثى، فهنا علامة، إما أن يكون موضوعاً على الأرض والثاني حملته من تقوم على ولادتها، أو يكون المكان مختلفاً فوضعت الأول ثم نقلت إلى مكان آخر فوضعت الثاني، فنعلم أن الذي ولد في الغرفة الأولى هو السابق والذي في الغرفة الثانية هو اللاحق، فحينئذٍ إذا وجدت أمارة أو علامة تدل على سبق أحدهما على الآخر حكم بذلك، أو بالصوت الذي هو الصراخ، كأن تكون ولدت وكان الأول لا صوت له فوجد ميتاً، والثاني صرخ، فنعلم أن الحي هو الثاني، فإن كان ذكراً احتسبت الطلقتان بالسابق وهو الأنثى، والعكس بالعكس.
فإذا وجدت قرائن أو أمارات أو علامات تدل على سبق أحد المولودين للآخر فإنه يحكم بهذه العلامات، فمحل التفصيل أن يستويا ولا يمكن التمييز، أما إذا أمكن التمييز فإنه يحكم به، والقاعدة الشرعية تقول:(الغالب كالمحقق)، فغلبة الظن والشيء الغالب الوقوع نحكم به، وما دام أنه غلب على ظننا -بهذه الأمارات والعلامات- أنه السابق حكم بذلك واعتد به.