بسم الله الرحمن الرحيم قال المصنف رحمه الله تعالى:[باب الاستبراء: من ملك أمة يوطأ مثلها من صغير وذكر وضدهما حرم عليه وطؤها ومقدماته قبل استبرائها].
(من ملك أمة يوطأ مثلها) من ملك أمة، فخرج حكم الزواج؛ لأنه هنا سيتكلم على استبراء الإماء، والإماء هن الرقيقات، وهن من السبي الذي يكون بالجهاد في سبيل الله عز وجل، فإذا حصل الجهاد الشرعي، وأخذ الأسرى من الكفار فإن الإمام من حقه أن يضرب الرق على هؤلاء الأسرى وينظر المصلحة، إن شاء ضرب رقابهم، وإن شاء فادى، وإن شاء ضرب الرق عليهم.
والرق لا يختص بلون، ولا بجنس، ولا بطائفة في الإسلام، فالرق لكل من كفر بالله عز وجل، والسبب في ذلك والحكمة منه واضحة: أن المشرك ومن ضاد العقيدة وخرج عن الدين والإسلام والتوحيد نزل إلى مستوى هو أردأ من مستوى البهيمية؛ لأن الله يقول:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[الإسراء:٧٠]، لكن إذا كفر بالله عز وجل فإنه خالف تكريم الله عز وجل فأصبح مهاناً بإهانة الله كما قال تعالى:{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}[الحج:١٨]، وهذه الإهانة راجعة إلى قول الله سبحانه وتعالى:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الفرقان:٤٤] أي: إنهم لما كفروا وأشركوا ولم يوحدوا الله عز وجل، وصرفوا حق الله لخلقه أياً كان، ولو كان لصالح أو طالح أو عظيم أو صغير فإنهم قد أشركو مع الله غيره -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- ونزلوا إلى مستوى أهون وأحقر عند الله عز وجل وعند عباده المؤمنين من البهيمة، {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الفرقان:٤٤]، فكان من حق الإمام في الإسلام أن يضرب عليه الرق؛ لأنه خرج عن تكريم الله عز وجل له حينما أعطاه العقل الذي يدله على وحدانية الله ويهديه، فكفر بذلك وأنكره، فنزل هذه المنزلة السيئة التي تليق بمثله، فالإسلام لا يميز بالألوان، ولا بالأحساب، ولا بالأنساب، ولا بالمدن ولا بالقرى، ولا بالأقطار، ولا بالأمصار، فكل من كفر الله وضاد الله عز وجل، وحاد الله ودينه وشرعه فإنه إذا حكم بكفره وقاتل المسلمين ضرب عليه الرق.
وإذا أخذ الأسارى وضرب عليهم الرق قسم هذا السبي بين المجاهدين، فلو أخذ رجل امرأة سبياً في الجهاد في سبيل الله عز وجل فهذا جائز بإجماع العلماء، ونصوص الكتاب والسنة فيه واضحة ظاهرة، فإذا أخذت هذه المرأة ملكاً لليمين، وأراد أن يطأها فلا يجوز له أن يطأها حتى يستبرئها، ولذلك لما أخذت المسبيات في غزوة أوطاس وقام الرجل يريد أن يدخل على مسبيته وقد ظهر بها الحمل، قال عليه الصلاة والسلام:(أيريد أن يلم بها؟ والذي نفسي بيده لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره) فهذا يدل على أنه لا يجوز أن يطأ الأمة حتى يستبرئها؛ لأنه في هذه الحالة يخلط بين مائه وماء زوجها الذي كان معها قبل أن تؤخذ رقيقة؛ لأن نساء الكفار يؤخذن وهن حوامل ويؤخذن وهن مستبرئات وغير ذلك، فعلى كل حال: إن كان مثلها يوطأ فلابد من استبرائهن، ولذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم حرمته فقال:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه حرث غيره) لأنها إذا كانت حاملاً من غيره ووطئها فإنه كمن سقى ماءه ومنيه لحرث غيره، فهذا أصل عند العلماء رحمهم الله في استبراء الإماء.
(من ملك أمة يوطأ مثلها).
لأن القضية هي: استبراء الرحم؛ فإذا بلغت عنده سن الوطء، فحينئذٍ يجوز له أن يطأها؛ لأن البراءة معلومة بالأصل.
(من صغير وذكر وضدهما).
يعني: إذا اشتراها وملكها صغيراً كان أو كبيراً فإنه لا يجوز له أن يطأها؛ وقد يقول قائل: مادامت العلة هي خوف اختلاط الماء، فلو اشتراها صغير؟ نقول: يمنع الصغير كما يمنع الكبير من وطئها فقوله: (من ملك) هذا عام شامل للصغير والكبير والذكر أياً كان.
(حرم عليه وطؤها ومقدماته قبل استبرائها).
حرم عليه أن يطأ هذه الأمة، وحرم عليه أن يستمتع بالمقدمات حتى يستبرئها، والبراءة المراد بها: خلو الرحم من الحمل من زوجها الذي كان معها قبل، وهكذا لو اشتراها من غيره؛ لأنه ربما وطئها الأول الذي كانت عنده، فلربما حملت منه، فلابد أن يستبرئ الأمة سواء كان ذلك في السبي أو كان بملك اليمين -الشراء أو الهبة- قال له: وهبتك جاريتي، قال: قبلت، فأصبحت ملكاً له، فلا يجوز له أن يطأها حتى يستبرئها.