للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الزواج بنية الطلاق]

لكن يبقى

السؤال

لو تزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها، كرجل يسافر إلى بلد ومكث فيه الشهور لعمل أو وظيفة أو نحو ذلك، فمذهب طائفة من السلف والعلماء رحمهم الله جواز ذلك وأن الرجل يجوز له أن يتزوج المرأة وفي نيته ألا تستمر معه وذلك لخوف الضرر والوقوع في الزنا، والأصل في هذا أنهم قالوا: إن الرجل وإن نوى الطلاق فالعقد في ظاهره صحيح، ونيته في باطنه مترددة؛ وربما أعجبته المرأة فبقيت معه، وهذا موجود، ولذلك لو كان هذا محرماً أو من المتعة كان بمجرد مضي المدة وجب عليه التطليق، وبالإجماع أنه لا يجب عليه أن يطلقها، فلو تزوجها وفي نيته أن يطلقها بعد شهر فبالإجماع أنه لا يجب عليه تطليقها بعد شهر، ولو غير نيته جاز بالإجماع، وعلى هذا قالوا: إنه ليس من نكاح المتعة في شيء.

ونص طائفة من أهل العلم ومن أئمة المذاهب الأربعة على جواز ذلك ومشروعيته، وهو مشروع، خاصة في زماننا؛ فإن الرجل تكون زوجته مع الأطفال وترتبط بمدينتها أو بلدتها، والرجل يسافر إلى بلد محتم عليه السفر إليه، أو تقتضي ظروف عمله أن يسافر إلى هذا البلد، فإن قلنا له: لا تتزوج، فإنه سيقع في الحرام، وربما وقع في الزنا، خاصة إذا كان في أماكن فيها فتن ومغريات، فلو قيل له: لا تتزوج، لما استطاع ولربما وقع في الحرام، ولو قلنا له: تزوج، مطلقاً، فإنه بإمكانه أن يتزوج ويأتي بها، لكن إذا كانت المرأة لا يمكن أن تأتي معه وفي نيته أنه إذا انتهى منها تركها لأهلها وهي راضية بذلك فإنه لا بأس.

ومن تأمل أحوال السلف والأئمة والناس في عصور الإسلام السابقة يجد أن الرجل كان يسافر للتجارة وينزل في البلد الشهر والشهرين، ولا يمكث اليوم واليومين حتى يتزوج وينجب ثم يسافر ويترك امرأته ويطلقها ويسافر، وكان هذا معروفاً بين المسلمين؛ لأن الرجل -خاصة التاجر- تجده يوماً هنا ويوماً هناك، وإذا أراد السفر فغالباً أنه لا يستطيع أن ينقل امرأته معه، خاصة في القديم حيث كانت الأضرار والخوف، بل حتى المرأة لا ترضى أن تسافر معه.

فزواج المرأة بنية التطليق، أولاً: نصوص الشرع من حيث العموم دالة على جوازه، فإنه نكاح مستوفٍ للشروط مستوفٍ للأركان، وخذها قاعدة: أن أي مسألة من مسائل النكاح إذا اختلف فيها في صحة النكاح وفساده فانظر إلى أركانه وشروطه، فإن توفرت الأركان والشروط فقل: الأصل صحته وحله حتى يدل الدليل على فساده، فإن اعترض بأن هذا الزواج تم بنية الطلاق، فيجاب بأنه قد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس وأن أكل سرائرهم إلى الله) فإن قال قائل: إن المحلل في نيته أن يحلل، قلنا: إن هذه نية غير شرعية؛ لأنه نوى مضادة الشرع ولذلك قال ابن عباس: إن الله لا يخادع، ففرق بين شيء في أصله محظور وبين شيء في أصله مباح، فإن نكاح المرأة وتخليتها مباح، لكن أن ينكح المرأة من أجل أن تنكح لزيد ولا ينكحها من أجل أصل النكاح -وهو الاستمتاع- كما هو الحال في المحلل فلا، فافترقت تلك الصورة عن صورة المحلل، وقياسها على المحلل ضعيف، فإنه إذا تؤمل الأصل والفرع وجد الفارق بينهما جلياً، فنكاح المحلل واضح فيه أنه ما نكح للنكاح ولا نكح للعفة ولا نكح للاستمتاع لنفسه ولا نكح من أجل أن يعف المرأة، ونحوها من مقاصد الشرع المعروفة الشرعية، ولكنه نكح من أجل أن يحلل، والشريعة كأنها حرمت نكاح هذه المرأة حتى تنكح زوجاً غيره فتعيش معه، فترى مره وحلاوته فتحن للأول، فإذا جاء المحلل ينكحها اليوم واليومين ويطلقها فإنه لا يحصل مقصود الشرع، فكأنه يهدم مقصود الشرع بالتطليق المباشر، لكن من تزوج وفي نيته أن يطلق تزوج من أجل أن يعف نفسه عن الحرام، بل إنه ما وقت النكاح لحاجته والوقت الذي هو فيه إلا من أجل أن يعف نفسه عن الحرام، فهو يخاف على نفسه الزنا، فقال في نفسه: إنه في مدة إقامته يفعل ذلك، وهذه النية ليست بقطع، ويحتمل أن يلغي هذه النية ويغير نيته.

فإن قال قائل: إن المرأة تستضر، قلنا: إن المرأة إذا ضحت وبذلت وتحببت إلى زوجها وقامت كما ينبغي أن تقوم الزوجة لا يمكن أن يفرط فيها، بل إن الرجل يضحي بأهله وبلده من أجل المرأة -وهذا معروف- إذا ملكته المرأة بإحسانها وفضلها فأياً ما كان فالفرق بينهما واضح، وأصول الشريعة تقوي صحة ما ذكرناه، وعلى هذا فإنه يجوز أن يتزوجها مؤقتاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>