للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أن تدعي المرأة انقضاء العدة في زمن ممكن انقضاؤها فيه]

قال المصنف رحمه الله: [وإن ادعت انقضاء عدتها في زمن يمكن انقضاؤها فيه].

فقوله: (وإن ادعت انقضاء عدتها) أي: من طلاقها الرجعي (في زمن يمكن انقضاؤها فيه) بأن قالت ذات حمل: مضت ستة أشهر، وأيضاً إذا قالت أنها ألقت جنينها أو ولدت.

وكذلك ادعت انقضاء عدتها في شهر على القول الذي ذكرناه في أقل الحيض، أو ادعت أنها خرجت من عدتها وكان الطلاق قد وقع قبل ثلاثة أشهر، إن كانت من ذوات الأشهر، فحينئذٍ يحكم بقولها.

قوله: [في زمن يمكن] فلو انعكس الأمر وكان في زمن لا يمكن، فادعت ذات الأشهر أنها خرجت من عدتها بعد شهرين لم يقبل قولها؛ لأنها قالت: طلقني في أول رجب ثم جاءت في نهاية شعبان تقول: إنها خرجت من عدتها.

هذا زمن لا يمكن فيه خروجها من العدة؛ لأن الله عز وجل بين أن الآيسة من الحيض والصغيرة التي لم تحض عدتها ثلاثة أشهر، فإذا ادعت الشهرين أو ادعت الشهرين والنصف وعدتها ثلاثة أشهر لم يقبل قولها قطعاً.

وكذلك أيضاً لو ادعت أنها حاضت وطهرت، وحاضت وطهرت، وحاضرت وطهرت في أقل من شهر كأن تقول في عشرين يوماً، فهذا ليس بزمن إمكان، وحينئذٍ لا يعتد بقولها.

هناك قول آخر: إنه ينظر إلى أكثر الحيض ويعتد بأكثره، ويلزمها هذا الأكثر، وحينئذٍ تكون الصورة على خلاف مسألتنا كما هو مذهب الحنفية رحمهم الله؛ لأنهم يحتاطون خاصة في مسألة حلها لزوج، وخروجها من عصمة الزوج الأول.

قال رحمه الله: [أو بوضع الحمل الممكن] أي: أنها مضى لها ستة أشهر فأكثر، فهذا ممكن أنها تضع فيه حملاً، ويحكم بخروجها من عدتها بالوضع، وقال تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:٤] فإذا ادعت أنها خرجت من عدتها وكانت حاملاً، ومضى على طلاقها ستة أشهر، فإننا نحكم بكونها أجنبية عنه وقد خرجت من عدتها.

قال رحمه الله: [وأنكره فقولها].

مفهوم (أنكره) أنها إن صدقها في زمن الإمكان فلا إشكال، لكن إذا أنكر فالقول قولها، ومعنى كون القول قولها أن الزوج لا يقبل قوله إلا ببينة تدل على كذبها وعدم صحة ما ذكرته.

وهذا يختلف بحسب اختلاف الدعاوى، فالمسألة فيها خصومة بين الزوج وزوجته، فيأتي الزوج الأول ويجد أن زوجته قد عقد عليها زوج غيره فحينئذٍ يقول: هذه المرأة لا زالت في عصمتي.

فقالت: قد خرجت من عدتي ولم تراجعني.

أو قال مثلاً: راجعت وأنت ما زلت في العدة الآن فكيف تنكحي، كل هذه المسائل تحتاج إلى فصل، وكل هذا الخصومات والنزاعات تحتاج إلى قطع.

فبيّن المصنف رحمه الله أننا ننظر إلى دعوى المرأة، فإن كانت دعواها أنها خرجت من العدة وافقت أصلاً صحيحاً، بحيث مضى زمن يمكن أن يصدق فيه قولها حكمنا بأنها أجنبية، وأنه لا حق للزوج إلا إذا أقام بينة.

فالأصل أن العلماء رحمهم الله ذكروا هذه المسائل لبيان هل خرجت المرأة من العدة أو لم تخرج؟ مما يترتب عليها من الحقوق والحكم ببطلان نكاح الثاني إذا وقع نكاحه، فإن المرأة في بعض الأحيان بمجرد ما تخرج من عدتها من الزوج الأول يعقد عليها في اليوم الثاني.

وحينئذٍ يقع شيء من الخصومة، وربما حصل بين الناس شرور، ففصل بينهم بأن القول قول المرأة إذا مضى زمن يمكن أن يصدق فيه دعواها فيقبل قولها ويقال له: أحضر البينة على صدق ما تقول.

فلو أقام البينة على أنها لا زالت في عصمته على صور مختلفة في ذوات الأقراء والحمل والأشهر حكم بقوله؛ لأن البينة حجة قاطعة للدعاوى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>