للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الوكالة العامة في الأموال والتجارة]

السؤال

هل يصح توكيل شخصٍ لشخص في وكالةٍ عامة دون تخصيص بأمرٍ معين، كأن يقول له: وكلتك على القيام بجميع شئوني ومتطلباتي من بيع وشراءٍ وتجارةٍ وغيرها دون تخصيص بأمرٍ معين؟

الجواب

لا، هو إذا قال: من بيع وإجارةٍ ما، (من) هذه بيانية وفيها شبهة التقييد، لكن إذا قال: وكلتك في كل شيء تدخله الوكالة، فهذا فيه وجهان مشهوران للعلماء: شدد بعض العلماء في الوكالة المطلقة أو العامة وقالوا: لا يصح حتى يبين عمومها، وهذا موجود في مذهب الشافعية والحنابلة أيضاً، والسبب في هذا: قالوا: الغرر؛ لأنه يدخل على نفسه الخطر، فقد يدخل الرجل عليه أموراً لا تحمد عقباها، فقالوا: مثل هذا فيه غرر، ولا يصح التوكيل في مثل هذا، وقال بعض العلماء: يجوز أن يوكله وكالةً مطلقة، ويفوض إليه التصرف في الأمور، وهذا قوي من حيث الأصل، وكلا القولين له وجهه، لكن الاحتياط يرجع إلى قول القائل بأن الوكالة إذا كانت مفوضة ومطلقة من كل وجه فالغرر فيها قوي، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، وحديث ابن عمر في الصحيح في ذلك واضح، فكل الإشكال: خوف الضرر، وأياً ما كان فالاحتياط والأولى والأفضل أن يحدد له العموم، يقول له: وكلتك في البيع والشراء عن المرفقات تبيع وتشتري، أو وكلتك في الإجارات، ويحدد له ما وكله فيه، فهذا هو الأشبه وخاصةً في هذه الأزمنة؛ فإن الأزمنة المتأخرة ضعفت فيها أمانة الناس، وأصبح الغرر أكثر، والضرر أكثر، وكم وقعت من الحوادث والمصائب في الوكالة الخاصة فضلاً عن الوكالة العامة.

فكم من أخت وثقت في أخيها الذي هو من لحمها ودمها ومن أقرب الناس إليها، ومع ذلك أكل أموالها وابتز حقوقها، بل وصل الأمر إلى ابن مع أمه أن يبيع عنها ويشتري، ويؤجر عنها ويوقعها في الغرر العظيم الذي لا تعلم به، وإذا بها تفاجأ في يومٍ من الأيام أنه ليس لها من مالها شيئاً، بل لربما فوجئت في يومٍ من الأيام بأنها مطالبة بحقوق، وقد ضاع عليها ما ضاع، وهذا وقع، فتجد المرأة يموت عنها قريبها أو زوجها ويترك لها مئات الألوف، وتثق في ابنٍ من أبنائها وتعطيه وكالة على بيع، بل في بعض الأحيان على عقار مخصوص ويبيعه دون علمها، ويتصرف فيه ويأكل المال، ويفعل فيه ما يشاء والأم جاهلة لا تعلم بشيء، حتى تفاجأ يوماً من الأيام وقد توجهت إليها دعوى في قضاء أو نحوه أنها مطالبة؛ وقد أنها مطالبة بحقٍ ما، فتسأل وإذا بوكيلها قد خانها في أمانتها -نسأل الله السلامة والعافية- وهذا من علامات الساعة: أنه -والعياذ بالله- تنزع الأمانة من الناس حتى لا يبقى إلا الأثر كجمر، يقول صلى الله عليه وسلم: (كجمر دحرجته على قدمك) أي: لما تنزل الجمرة تدحرج على القدم ما يبقى إلا الأثر الذي تحدثه الجمرة، لكن لو استقرت أحرقت، فهذا فيه إشارة إلى ضعف الأمانة وقلتها في الناس حتى قال صلى الله عليه وسلم: (حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً) أي: القبيلة بكاملها لا يجدون إلا رجلاً واحداً يتميز بينهم بالأمانة، نسأل الله السلامة والعافية، فيرفع من الناس الأمانة والخشوع، وعلى هذا فالقول الذي يقول بعدم فتح باب الوكالات المطلقة خاصة في هذه الأزمنة من القوة بمكان، فيحدد له محل الوكالة، وهذا أفضل وأحوط وهو مقصود الشرع من فتح باب الوكالة، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>