وهنا مسائل: المسألة الأولى: لو قال لك: اقبض، وذهبت لتقبض، وقبل أن تقبض رجع عن إذنه، فإنه لا يصح قبضك، كما لو اعتديت مباشرة؛ لأن الإذن قبل تحقق الفعل والرجوع عنه يوجب بطلانه.
المسألة الثانية: إذا ثبت أن القبض معتبر فكيف يتحقق القبض؟ سبق أن بيّنا هذه المسألة، وقلنا: إن المبيعات منها ما يتحقق فيها القبض بالكيل إن كانت مكيلة، وبالوزن إن كانت موزونة، وبالعد إن كانت معدودة، وبالذرع إن كانت مذروعة، وبالمناولة إن كانت مما يُتناول، فلو قال لك: أعطني عشرة آلاف ريال ديناً، فقلت له: أعطني رهناً، فقال: أُعطيك هذه الجواهر؛ فإن هذه الجواهر التي هي رهن يكون قبضها بالمناولة، أي: تُناوَل باليد، فإذا ناوَلك إياها، ووقعت في يدك تم قبضها، ولو كانت في كيسها ووعائها فأعطاها لك تم قبضها، لكن المكيل لا يكون إلا بكيله، والمعدود بعدِّه، والمذروع بذرعه، على التفصيل الذي ذكرنا.
وبناءً على ذلك يفرَّق في الأشياء بين ما كان من جنس المكيلات والموزونات، والمعدودات والمذروعات، وما يُتناول بالطريقة التي ذكرنا.
والمعدودات: مثل الإبل، كأن يقول: أعطيك عشرة من الإبل رهناً، أو هذه الناقة رهنٌ عندك، فإنه حينئذٍ يُمَكَِّنك من قبضها، فإذا قبضتها أو قبضها وكيلك فحينئذٍ لزم الرهن.
ولو كانت عمارة، فَقَبْضُ العمارةِ يكون بالتخلية، بأن يخلِّي بينك وبينها بإعطاء المفاتيح، فإذا أعطاك مفتاحها، أو خلَّى بينك وبينها للدخول والاستيثاق منها، كان هذا بمثابة القبض لها.
وقس على هذا بقية الأمور، وهناك أشياء يكون قبضها بالعرف، فنرجِع إلى أعراف التجار في كيفية قبضها، وقد سبقت الإشارة إلى هذه المسألة في مسألة القبض في أوائل كتاب البيع.