للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم تمكين الغير من استخدام العارية عند الحاجة]

السؤال

لو أن شخصاً استعار سيارة في سفر، واحتاج أثناء الطريق لشخص آخر يقود السيارة عنه، فهل في ذلك حرج؟

الجواب

لا حرج إلا الضمان؛ فلو أن هذا الشخص الثاني تصرف فيها فتلفت تضمن؛ لأن الشخص الثاني إن أقمته مقامك عند الضرورة والحاجة يسقط عنك الإثم، لكن لا يسقط عنك الضمان، فإن الذي ملك السيارة أذن لك أن تقودها ولم يأذن للغير أن يقودها، ولذلك تقف حتى يتراد إليك نفسك؛ لأنه ما دام أنه قد أذن لك أنت أن تقود فإنه لم يأذن لغيرك بقيادتها، وهذه شريعة تامة كاملة تضمن حقوق الناس على أتم الوجوه، قد ترضى لمحمد يسوق ولا ترضى لغيره، فلو جئت تتساهل في هذا الشيء اليسير الذي لا خطر فيه، فقد تتساهل في شيء أعظم خطورة، وشيء أكثر مفسدة، ولذلك -من حيث الأصل الشرعي- لا يقوم غيرك مقامك؛ لأن الشريعة قالت: أذن لك ولم يأذن لغيرك، فتبقى أموال الناس مصونة ومحفوظة، ولا يمكن للغير أن يقوم مقامك إلا إذا أذن المالك الحقيقي بإقامته مقامك، والله تعالى أعلم.

بالنسبة لهذه المسألة يستثنى منها الاشتراط، كأن تقول له: فإن تعبت يقود عني ابني، أو اجعلني في حلٍ إذا احتجت لغيري أن يسوق بي، فهذا إذن، أيضاً يدخل في هذه المسألة الإذن المعروف مثلما يقع بين الأصدقاء والأحبة، تعلم أن أخاك تطيب نفسه أن تقيم غيرك مقامك في حالات الحاجة، وذكروا دليلاً لذلك حديث أبي طلحة رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سُمعت الصيحة في المدينة، خرج الناس فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أروع الأمثلة على شجاعته -بأبي وأمي- صلوات الله وسلامه عليه، وثبوت قلبه وجنانه، فلما صارت الصيحة والفزع كان أول من خرج عليه الصلاة والسلام، فكان لا يبالي بالموت ولا يبالي بشيء صلوات الله وسلامه عليه؛ وهذا من كمال إيمانه، وكمال رجولته عليه الصلاة والسلام، فكان أتم الناس في قوة إيمانه وتوكله على ربه، فكان أول من خرج على فرس أبي طلحة، وأخذ فرس أبي طلحة من دون إذن أبي طلحة، وللعلماء فيه أوجه، منها: قالوا: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:٦] فقالوا: إذا كان أولى بهم من أنفسهم فمن باب أولى أموالهم، وفي هذا الحديث لا يقل عن ثلاثين مسألة، فقط في أخذ فرس أبي طلحة.

من هذه المسائل: أنه يجوز أن تأخذ مال الغير إذا علمت رضاه، فإنه ركب فرس أبي طلحة وهو يعلم أن أبا طلحة يحب ذلك ويرضى به، فأنت إذا أخذت الشيء عارية وأنت تعلم أن صاحبه لو وقف واطلع على الشيء الذي فعلته عند حالات الضرورة أذن لك، قالوا: في هذه الحالة يسقط عنك الإثم؛ لأنك تعلم أن من عادته وطبيعته أنه يأذن لك بهذا، وهكذا لو وجدت حذاءه -أكرمكم الله- وأنت محتاج لأخذه فأخذته، ولو وجدت دابته وأنت محتاج إليها فأخذتها؛ وهذا معروف بين الإخوة والأصدقاء والأحبة، قالوا: فيجوز أن تقيم الغير مقامك ليقود بك عند حالات الحاجة، أو تعرفه حليماً رحيماً إذا حكيت له هذا الظرف وافق على أن تقيم غيرك مقامك، فهذا لا بأس به، ولا إثم فيه، لكن لا يخرج الشيء عن يد العارية الموجبة للضمان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>