بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد: فقد ترجم الإمام المصنف رحمه الله بهذه الترجمة التي تتعلق بمسائل الشكوك في الطلاق، فقال:[باب الشك في الطلاق].
وقد تقدم بيان مقدمات الشكوك وما يعتري الإنسان من الوسوسة في الطلاق، وبينا هدي الشريعة الإسلامية في ذلك، وقد اعتنى أئمة الإسلام وفقهاؤه ببيان الأحكام المتعلقة بالشكوك سواء كانت في العبادات أو المعاملات.
ومن أشهر المواضع التي تُبْحَث فيها مسائل الشكوك: كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة عند بيان مسائل الشك في باب السهو، وكذلك أيضاً تذكر في باب الآنية جملةٌ من مسائل الشكوك، فتذكر في كتاب الطهارة والصلاة وجملةٌ من مسائل الصوم والحج، ثم في كتاب المعاملات تقع كثير مسائل الشكوك، ويعتني العلماء رحمهم الله ببيانها في باب الطلاق، وتعم بها البلوى، ويكثر عنها السؤال، وتكثر منها الشكوى.
وقد ذكرنا ما يتعلق بالشك في الطلاق إلا أننا ننبه أن الشك قد يقوى على الإنسان ويتسلط عليه إلى درجةٍ يفقد فيها التحكم بنفسه، وفي هذه الحالة ربما بلغ به الأمر أنه يتلفظ بالطلاق حقيقةً مع أن الله مطلعٌ على سريرته وقلبه أنه لا يريد الطلاق، وأنه لا يقصده؛ ولكن تهجم عليه الوساوس شيئاً فشيئاً حتى يتكلم ويهذي، وحينئذٍ فالأشبه أنه قد وصل إلى حالةٍ يسقط عنه فيها التكليف.
ولذلك كان بعض مشايخنا رحمةُ الله عليهم يراعون درجات الوسوسة والشكوك في الطلاق، فهناك درجات في ابتداء الطلاق، وفي ابتداء الوسوسة، وابتداء الشكوك، ودرجات مستفحلة أشبه بالمرض، فمثلها ينبغي للفقيه ألَّا يتعجل في الفتوى فيها، وعليه أن يسبر حال السائل وألَّا يتعجل في الجواب، وهذا من فقه الفتوى؛ ولذلك كان بعض العلماء رحمهم الله يحذر من الفتوى في مسائل الطلاق في الشكوك، ويتريث في جواب السائل، خوفاً من أن يفتيه بتحريم ما أحل الله له دون استبيان من حاله.