للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جواز خروج الموكل من منى قبل رمي وكيله]

السؤال

في مسألة رمي الجمار، هل يجوز للموكل أن يخرج من منى قبل رمي وكيله؟

الجواب

أول شيء يشترط في صحة التوكيل في رمي الجمار؛ أن يكون الأصيل عاجزاً عن الرمي، حقيقة أو حكماً، عاجز حقيقة مثل المشلول لا يستطيع أن يرمي، وعاجز حكماً مثل الشخص الذي يخشى منه ضرر أو يخشى أن يموت مثل المريض بالقلب، وكبير السن من الحطمة الذي يغلب على الظن أنه لو دخل في زحام الجمرة لمات، فهذا عاجز حكماً، وإن كان قادراً على الرمي حقيقة، لكنه لا يستطيع لأجل الزحام، فهو في حكم العاجز الذي لا يستطيع أن يرمي.

كذلك العاجز حكماً مثل المرأة الحامل التي يغلب على الظن أنها لو دخلت في الزحام أو ضربت على بطنها ربما قتلت، فهؤلاء يرخص لهم، ومثل الصبيان الذين لا يعرفون الرمي ولا يستطيعون، فهؤلاء يوكلون، وجاء في حديث أنس عند ابن ماجة وغيره: أنهم رموا عن الصبيان في حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم.

الشرط الثاني: أن يكون الوكيل الذي توكله بالرمي حاجاً في ذلك العام، فلا توكل الذي لم يحج، ومن الخطأ أن بعض الباعة في منى يتوكل عن بعض الحجاج، وهذا خطأ، فلا يصح الرمي إلا من حاج؛ لأنه عبادة لا تصح إلا من الحاج، والوكيل تابع للأصيل فحكمه حكم الأصيل، كما أن هذا الرامي -الأصيل- لا يصح رميه إلا أن يكون محرماً، كذلك الوكيل لا يصح رميه إلا إذا كان محرماً بالحج في ذلك العام.

ثالثاً: يشترط أن يبدأ الوكيل بالرمي عن نفسه حتى يتم الجمرات الثلاث ثم يرجع ويرمي عمن وكله، وقلنا: الجمرات الثلاث؛ لأنها نسك واحد، فيتم الرمي الذي أوجب الله عليه حتى يتم الثلاث ثم يرجع ويرمي عن غيره بالسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم بهذا فقال: (حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة) فإذا كان هذا في الكل فإن الجزء آخذ حكم الكل، فيرمي عن نفسه ثم يرمي عن غيره، ولا يصح أن يبرئ ذمة الغير مع شغل ذمته في حق نفسه.

وقال بعض السلف: الأفضل أن يحضر الأصيل ثم يرمي الوكيل بمحضره؛ ولكن هذا إن تيسر وفعل فهو من باب الأفضل، ولكن لا بأس بتركه وليس بلازم، ولو أنه جلس في الخيمة أو جلست المرأة في الخيمة وانطلق وكيلها ورمى فإنه يصح.

والذين استحبوا حضور الموكل قالوا: فائدة حضوره أن هناك سنناً مرتبطة به شخصياً، فإذا عجز عن الرمي فهو قادر على الدعاء، فبعد ما يرمي وكيله يقوم هو بالدعاء عن نفسه ويحقق هذه السنن تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه شهد ورمى، فإن عجز عن شيء في سنة الرمي بقيت سنة الشهود والحضور، فقالوا: إن مقصود الشرع أن يكون في هذا الموضع، إلى غير ذلك مما ذكر من التعليل، وعلى كل حال: ليس الحضور بلازم ولا واجب، وإذا رمى وكيله وهو في خيمته فالرمي صحيح ويجزيه.

والله تعالى أعلم.

فإن قيل: هل الخروج من منى له تأثير؟ أي: هل يشترط أن يكون الموكل في منى، أو يكون عند الجمرات؟ فالجواب: لا يشترط؛ بحيث إنه لو رمى عني جمرة العقبة وأنا أطوف طواف الإفاضة -أي: لست في داخل منى- فلا بأس، والمرأة العاجزة عن الرمي لو وكلت عن رميها ثم بعد ذلك نزلت وطافت طواف الإفاضة وتحللت فلا بأس، فلا يشترط أثناء الرمي أن تكون بمنى، وهكذا لو تعجل ورمى عنه وكيله ثم خرج من منى فإنه يجزيه ولا حرج عليه في ذلك.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>