الأصل في النفقة أنه يرجع فيها إلى العرف والعادة، وأعراف المسلمين يحتكم إليها، والمراد بأعراف المسلمين: الأعراف الغالبة التي لا تطرأ عليها معارضة للشرع، يعني يشترط في العادة أن تكون موافقة للشرع لا مخالفة له؛ لذلك أجمع العلماء رحمهم الله على أنه لو جرى في العادة محرم ومنكر فإنه لا يحتكم إليها.
وهذه المسألة راجعة إلى الأصل الشرعي الذي قرره العلماء رحمهم الله، واستنبط من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم: أن العادة محكمة، وهي إحدى القواعد الخمس التي قام عليها الفقه الإسلامي: الأمور بمقصادها -اليقين لايزال بالشك- المشقة تجلب التسير -الضرر يزال- العادة محكمة.
فهذه العادة محكمة؛ أي: يحتكم إلى عادات المسلمين وأعرافهم، والمراد فيما لا نص فيه، أما الذي فيه نص فلا يلتفت فيه إلى العرف.
فالعرف إنما يرجع إليه ويلتفت إليه في حالة عدم وجود النص، وبشرط عدم معارضته للنص، فلو جرت العادة-والعياذ بالله- بأمور مستقبحة أو مشينة لم يحتكم إليها.
والسبب في هذا أن الله عز وجل نص في كتابه على الرجوع إلى العرف:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:٢٢٨]، وقال صلى الله عليه وسلم لـ هند:(خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
والعلماء رحمهم الله اختلفوا في مسائل النفقات؛ كيف تقدر منها مسألة العسر واليسر ومقدار النفقة؟ أي: متى نحكم بكون القريب معسراً؟ ومتى نحكم بكونه موسراً؟ ومتى نحكم بكونه في حال وسط بين الإعسار واليسار؟ من العلماء من قال: الرجوع إلى العرف، ومنهم من حد ضابطاً، وقال: ينظر إن كان دخله أكثر مما ينفق فهو موسر.
وإن كان إنفاقه أكثر مما يدخل عليه فهو معسر.
وإذا استوى الأمران فهو متوسط بين اليسار والإعسار.
وهنا في مسألة إعطائه النفقة، أنه ينفق عليه بالمعروف، وسبق أن بينا هذا في نفقة الزوجة، وتقدير ذلك: أنه يصار إلى نفقة مثلها بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها.