كيف يمكن الجمع بين براءة رحم المرأة بعدة الطلاق وبين احتمال وقوع الحمل بعد أربع سنين؟
الجواب
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فهذا لا شك أنه أمر مستثنى من حيث الأصل، ما جعلت العدد إلا لإثبات الحقوق في لحوق الولد وغيرها من الحقوق الواجبة في العدد، لكن هذه المسألة مستثناة، وقد بينا أنه قد يتأخر الحمل لأمور خاصة، والقاعدة عند العلماء رحمهم الله: أن مسائل الاستثناء والأعيان لا يعترض بها على الأصول، فيبقى الأصل كما هو، وتبقى أحكام العدد كما هي، فيقال: هذه أحوال مستثناة تخص بأحكامها، ولا يلغى حكم الأصل، ولا يعترض به على هذه المسائل التي ثبت بالعادة أنه يقع شيء منها.
وإذا نظر المسلم وجد أن هناك أموراً تستدعي العمل بهذه المسائل المستثناة، فإننا لو لم نحكم بذلك لحكمنا برجم المرأة، وأنها زانية؛ لأنه -مثلاً- لو طلقها، وبعد أربع سنوات تبين حملها فإنه في هذه الحالة تتهم بالزنا، وخاصة عند مذهب من يرى أن الحمل دليل على ثبوت الزنا، كما قال عمر رضي الله عنه:(إذا كانت البينة أو الحبل)، ففي هذه الحالة الأصل أنها بريئة والشبهة قائمة، ودرء الشبهات معتبر شرعاً، فعلى كل حال ينبغي أن تنظروا أن المسألة متجاذبة ليست خاصة بقضية نسبة الولد، فيها جانب يتعلق بإقامة الحد، وإذا نفيت الولد يترتب عليه أنه ابن زنا، فلا ينظر الإنسان نظرة من جهة واحدة ويغفل بقية الجهات، ومن حكمة الشريعة أنها تعتني بالحقوق إذا تعدد أطرافها، فتعطي كل ذي حقٍ حقه.
وبناءً على ذلك نقول: ما دام أنه ثبت في العادة أن الحمل قد يطول ويتأخر فإنه يحكم بلحوقه، وقد ينزل من المرأة دم استحاضة وتظنه حيضاً ابتلاءً من الله، ويتكرر معها وتحكم بأنها حاضت ثلاث حيضات، وأنها طهرت، والواقع أنه نزيف، وهذه المسألة لا تقع إلا عند اضطراب الحمل، فقد تضطرب ويجري معها الدم ويحكم ببراءة رحمها بعد ثلاث حيضات، ثم بعد ذلك يتبين أن هذا الدم كله دم فساد وعلة، وأنه دم نزيف، وأن الأمر في رحمها غير مستقر، ولذلك لا شك أنه عين الحكمة والصواب، وفيه إعمال للأصول الشرعية من براءة المرأة وعدم اتهامها بالزنا، والله تعالى أعلم.