[ما يشترط لوجوب نفقة القريب]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه واستنَّ بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فنسأل الله العظيم العليم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل ما نتعلمه ونعلمه خالصاً لوجهه الكريم؛ موجباً لرضوانه العظيم.
ولا شك في أن حلق العلم ومجالسه خير ما تستفتح بها الوصية بحق الله جل وعلا، ولو كرر ذلك في كل مجلس لم تسأم منه الآذان، ولم تملّ من سماع ذلك؛ لأن حق الله هو أعظم الحقوق، فالوصية بتقوى الله والإخلاص في طلب العلم زاد طالب العلم الذي لا يمكن أن يستغني عنه لحظة من اللحظات؛ لأن الله لا ينظر إلى قول قائل ولا إلى عمل عامل إلا بعد تحقيقه والعمل بحقوقه.
وخير ما نتواصى به: أن يخلص الإنسان لوجه الله، وأن لا يجلس في مجالس العلم إلا وهو يريد ما عند الله، وأن يعلم علم اليقين أن التجارة مع الله رابحة، وأنها عند الله رائجة، وأن أسعد الناس في القول والعمل من نظر الله إلى قلبه فوجده خالصاً مستقيماً لربه أسعد الناس من أرى الله من نفسه خيراً حينما يجلس في مجالس العلم، ويستمع العلم، ويقرؤه، ويكتبه، ويتحدث به، وليس في قلبه إلا الله، وهي أمارة من الأمارات بل هي أشرف الأمارات وأعزها وأكرمها؛ إذ لا يعطيها الله إلا لخاصة أوليائه.
فمن نظر في قلبه أنه مليء بالله معمور به، مصروف عن زخارف الدنيا وشهواتها وملذاتها؛ لا تصغي أذنه إلى مدح المادحين، ولا يميل قلبه إلى عجب الناس به؛ فقد كملت ولايته لله جل جلاله، وهي العطية التي يختص الله بها من أحب.
اللهم ربنا ورب كل شيء نسألك أن تجعلنا ممن اصطفيته فجعلته من المخلصين وأراد وجهك يا رب العالمين.
وقد تحدثنا فيما سبق عن مسألة النفقة، وبيّنا أن المصنف رحمه الله جعل الأصل في النفقة على الأقارب من الأصول والفروع والحواشي، مبنياً على شروطاً لابد من تحققها، فنحن لا نلزم شخصاً أن ينفق على قريب إلا إذا توافرت فيه هذه الشروط.
والنفقة تبعة من التبعات، فأنت حينما تتحمل طعام شخص وكسوته وسكناه، هذا أمر فيه كلفة ومشقة، لكنه لا يأتي إلا من خلال أسباب وشروط، وهي العلامات والأمارات التي نصبها الشرع لإيجاد النفقة.
أول هذه الشروط: وجود العلاقة والسببية الموجبة للنفقة، وهي القرابة المبنية على صفة الإرث، فالقريب الوارث يستحق النفقة، وهذا المذهب اختاره طائفة من العلماء، وذكرنا دليله من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أن الإسلام عدل حينما جعل الإنسان يرث من الميت، وكما أنه يأخذ غنيمة الإرث بعد موته يتحمل غرم الإنفاق عليه في حياته، فهذا من العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، ومن العدل الذي هو كمالٌ في هذه الشريعة.
أما الشرط الثاني: فقد بينا من هم الأقرباء الذين يجب عليك أن تنفق عليهم من الأصول؛ كالآباء والأمهات والأجداد والجدات وإن علت، والفروع: كالأبناء والبنات وإن سفلوا، والحواشي من جهة العصبة ونحوها.
وبهذه العبارة التي ذكرها المصنف شرع في الشرط الثاني من شروط وجوب النفقة.