للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأحوال التي يقبل فيها قول الولي والحاكم بعد فك الحجر]

قال رحمه الله: [ويقبل قول الولي والحاكم بعد فك الحجر في النفقة] إذا ثبت أن الأصل عدم جواز التصرف في مال اليتيم، وبينّا المسائل التي يجوز للولي أن يأخذ فيها ويأكل فيها بالمعروف، يرد

السؤال

إذا دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه وادعى اليتيم أن وليه أكل منه، أو أن وليه ظلمه في المال فأنفق فيما لا ينبغي أن ينفق فيه، أو دفع المال في شيء يشترى بالأقل فاشتراه بالأكثر، أو باع ما لا ينبغي بيعه، أو اشترى ما لا ينبغي شراؤه -لأن هذا كله وارد- فهل نقبل قول الولي أو نقبل قول اليتيم؟ هذه مسألة، كذلك أيضاً: إذا جاء وقت دفع المال إلى اليتيم عند البلوغ ووجدنا اليتيم رشيداً في تصرفه وحكم القاضي بدفع المال إليه، فسيحاسب الولي، ويقدم الولي بياناً لما دفعه على اليتيم من المصاريف في طعامه وشرابه وكسوته ومسكنه وملبسه إلى غير ذلك، فيقدمه ويقول: أنفقت عليه كذا وكذا، وكان ماله مائة ألف، فأنفقت عليه منها عشرة آلاف في طعامه ومسكنه وكسوته وغير ذلك، فيذكر الأمور التي أنفق فيها على اليتيم.

هذه العشرة آلاف التي يدعي الولي أنه أنفقها هل نقول: نقبل قوله هكذا أو نطالبه بالدليل؟ هذه مسألة ثانية، فالمسألة الأولى: إذا ادعى اليتيم، والمسألة الثانية: إذا حضر وقت الدفع ورد المال إلى اليتيم، ففي كلتا المسألتين يقبل قول الولي، والقاضي يقبل من ولي اليتيم ما يدعيه، فقال رحمه الله: (ويقبل قول الولي والحاكم بعد فك الحجر في النفقة).

فإذا كان الحاكم هو الذي يتولى أمر اليتامى، فإنه يقبل قول الولي والحاكم بعد فك الحجر عن اليتيم في النفقة، وإذا قلت: يقبل قوله، فمعناه: أنه يكون مدعىً عليه، ومعنى هذا: أنه لو حصلت خصومة وقضاء فسيكون الولي مدعىً عليه والقول قوله، لأنه إذا قيل: القول قول فلان فخصمه مدعٍ، والذي يُطالَب بالبينة خصمه ولا يُطالَب هو، فإذا جاء وقال: أنفقت عليه بعشرة آلاف فلا نقول له: أحضر شهوداً وأدلة على أنك أنفقت العشرة، بل يقبل قول الولي والحاكم.

قوله: (في النفقة) أي: في طعامه وشرابه وكسوته ومصالحه التي احتيج إليها، وسميت نفقة من النفاق؛ لأنها تستنزف المال وتأخذه.

قال رحمه الله: [والضرورة] سبق وأن ذكرنا ضابط الضرورة، وتعريفات العلماء للضرورة، لكن الضرورة هنا لها معنىً خاص، فاليتيم ترك له أبوه عمارة قيمتها مليون، وترك له سيولة خمسة آلاف ريال، فأنفق وليه الخمسة آلاف، فاحتاج اليتيم أن يبحث عن دخل ومال من أجل أن ينفق عليه، فقام ولي اليتيم ببيع العمارة.

في هذه الحالة لو سأله القاضي: لِمَ بعت العمارة؟ سيقول: اضطررت إلى البيع وألجأتني الضرورة أن أبيع هذه العمارة، فادعاؤه أنه مضطر لبيع العمارة أو أي مملوك لليتيم، كل هذا يصدق فيه؛ لأننا لو فتحنا الباب في عدم قبول قوله لفر الناس من الولاية وأصبح فيها ضرر عليهم.

فالشاهد: أن اليتيم إذا قال: باع عمارة والدي وما كان ينبغي له أن يبيعها، فقال الولي: بل كان ينبغي بيعها.

فكلمة: بل كان ينبغي، يعني: أنا مضطر إلى بيعها، والضرورة إذا ادعاها الولي يقبل قوله، وهكذا إذا ادعاها الحاكم فبنى عليها بيع شيء أو إجارة شيء.

مثلاً: لو أن اليتيم ادعى على الولي أنه أنفق عشرة آلاف ريال عليه، فسأله القاضي: فيم أنفقتها؟ قال: أنفقتها في سكن.

قال اليتيم: ما كان ينبغي أن يستأجر لنا سكناً، فيقول له: أين أذهب بهم يسكنون؟ في العراء! إنهم مضطرون لدفع العشرة الآلاف لإسكانهم، لكن لو ثبت عند القاضي أنه غير مضطر، فحينئذٍ يضمن الولي على التفصيل عند العلماء رحمهم الله، ويؤاخذه ويحاسبه القاضي على هذا إذ فيه ضرر على المال.

فإذا باع الولي العمارة بحجة نفقتها على اليتيم، واليتيم ترك له والده عشرين ألفاً، ويكفي اليتيم منها في حدود عشرة آلاف، فإذاً وجود العشرين ألفاً يمنع من الضرورة لبيع العمارة، فحينئذٍ يكون الولي مخطئاً في بيعها، لكن لو ادعى ضرورة ثانية كأن يشتهر أنه -مثلاً- بعد سنة ستصبح هذه العمائر رخيصة فيقول: أنا مضطر إلى بيعها لمصلحتها لليتيم، فباعها فخالفت الظنون وأصبحت غالية، فادعى اليتيم على وليه أنه فرط في هذه العمارة يقول: أنا نظرت إلى الحال واجتهدت، وفي ذلك الزمان كنت مضطراً إلى البيع؛ لأنني وجدت أن هذا يضر بمصلحة مال اليتيم، وأقدمت على البيع من هذا الوجه، فحينئذٍ يقبل قوله.

وقد يضطر الولي إلى البيع لخوف الكساد وهذا -مثلاً- في الأطعمة؛ إذا كان اليتيم ترك له والده بضاعة وكانت من الطعام، ولا يمكن أن تبقى شهراً دون فساد، فعرضها في السوق ولكنها لم تأتِ بقيمتها وإذا تركت تفسد فلا تأتي بشيء، فباعها بنصف القيمة، فحينئذٍ يخاصمه اليتيم أو القاضي ويسأله: كيف تبيع بضاعة قيمتها مائة ألف بخمسين ألفاً؟ يقول: نعم هذا البضاعة لم يتيسر بيعها إلا بخمسين ألفاً، ولو لم أبعها فستتلف، وأنا مضطر إلى ذلك؛ فهذه ضرورة صحيحة.

كذلك أيضاً لو كان الميت ترك متاعاً، وهذا المتاع المراد به مثلما يحصل لبعض التجار يشترون بضاعة بمائة ألف -مثلاً- من أجل أن تباع في موسم الحج بمائتين، وشاء الله أن يموت في شعبان، فهذه البضاعة سيتولى أمرها الولي، فإذا تولى أمرها فمعناه أنه سيحفظ البضاعة إلى الحج، وحفظ البضاعة إلى الحج يحتاج إلى إجارة، فاستأجر لها مكاناً بثلاثين ألفاً ولم يجد إلا هذا المكان بثلاثين ألفاً، وإن بيعت البضاعة في وقتها بيعت بخسارة أو برأس مالها، وإن بقيت بيعت بالضعف فالأصلح لليتيم ألا تباع الآن، وتبقى حتى تباع بالضعف، ووجد أن استئجار مخزن لها بعشرة آلاف لا يمكن، فاستأجر مخزناً بثلاثين ألفاً وباعها بمائتين، فأصبح كاسباً سبعين ألفاً، فإذا سأله القاضي: أين أنفقت الثلاثين؟ قال: أنفقتها من أجل حفظ البضاعة.

قال له: وهل كان حفظها لازماً؟ يقول: نعم.

لأن السوق كان كاسداً ونحو ذلك من الأحوال، وهذا معنى قوله: (والضرورة).

فكل ما يدعيه الولي من أنه مضطر وملجأ إليه من بيع أو شراء فإنه يقبل قوله.

لكن إذا أنكر اليتيم وقاضاه، فبعض العلماء يقول: يقبل قوله مجرداً ولا يطالب باليمين، وقال بعض العلماء: يقبل قوله مع اليمين، وهذا ما يسمى بيمين التهمة، وهو أن يحلف من أجل التهمة الموجودة، فحينئذٍ قالوا: يقبل قوله مع اليمين.

قال رحمه الله: [والغبطة] الغبطة: الذي هو الأصلح، فمثلاً إذا قال اليتيم: أخر بيع البضاعة إلى السنة القادمة، فهذا أضر بي؛ لأني دفعت من مالي أجرة المخازن وأجرة نقل السلع وأنفق أموالاً على ذلك، فقال ولي اليتيم: إنما ذلك من أجل الأحق وهي الغبطة، فحينئذٍ يقبل قوله.

ومن الغبطة لو قيل له مثلاً: بعت العمارة بكم؟ قال: بعتها بمليون.

قيل له: لماذا؟ قال: لأن هذا أعلى سعر، وإذا بقيت فستباع بنصف مليون أو بثلاثة أرباع مليون، فإذاً الغبطة في بيعها بمليون، فيقبل قوله.

قال رحمه الله: [والتلف] إذا ادعى أن بعض المال تلف ولم يكن بتفريط منه فإنه يقبل قوله، مثلاً: لو أن يتيماً ترك له أبوه مائة رأس من الغنم، وجاء سيل واجتاح نصفها، فقال القاضي للولي: كم ترك والد اليتيم؟ قال الولي: المال الذي توليت اليتيم فيه مائة رأس، والآن يوجد خمسون رأساً منها، وخمسون أخذها السيل فيقبل قوله؛ لأنه -كما ذكرنا- يقبل قوله في الربح والغبطة، وفي الخسارة والتلف ونحو ذلك مما يدعيه.

قال رحمه الله: [ودفع المال] هذه مسألة ثانية: رجل تولى على يتيم وكان ماله -مثلاً- مائة ألف، واختبره عند البلوغ فوجده رشيداً فدفع له ماله، وبعد سنة جاء اليتيم وادعى أنه لم يقبض مال أبيه، وأن وليه لم يدفع المال إليه، فهل نصدق اليتيم أو نصدق الولي، الولي يقول: دفعت.

واليتيم يقول: ما أخذت.

ففي الحقيقة إذا جئت تنظر إلى الأصل، الأصل أن المال عند الولي حتى يثبت أنه دفعه لليتيم، وفي هذه المسألة ومسألة التلف يقوي بعض العلماء فيها اليمين، واليمين هنا قوية وأميل إلى هذا القول؛ لأنه خلاف الأصل، والتهمة فيه قوية، وفي ذلك احتياط لمال اليتيم، فإذا دفع المال إليه ولم يشهد فهو الذي فرط.

وحينئذٍ يقوى أن يقال: إنه يكون القول قول اليتيم أو لا يقبل قوله إلا باليمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>