للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تعليق الطلاق بزمن مع نية آخره]

قال رحمه الله تعالى: [وإن قال: أردت آخر الكل؛ دُيِّن، وقُبِل] هنا مسألة: إذا قال لها: أنت طالق اليوم، أنت طالق غداً، أنت طالق السبت، رمضان، إلى آخره، وفي هذه نوى آخر الكل، وقال: أنا قصدت أنها في آخر رمضان تطلق، وقصدت في آخر الغد تطلق، وقصدت آخر اليوم تطلق، فإن ظاهر اللفظ محتمِل، فالأصل أن رمضان يشمل جميع رمضان، والظرف شامل للكل؛ لكن لما كان الوصف يصدق على إيقاع الطلاق مباشرة؛ حكمنا بتنفيذه؛ لكن إذا نوى إلى آخر رمضان، أو إلى آخر الغد، فإنه ونيته، وتبقى زوجة له طيلة شهر رمضان، ما لم يصل إلى آخره الذي نواه؛ لكن هل نقبل منه قوله مجرداً؟ أم أنه يلزم بيمين التهمة؟ وهذه اليمين تعرف في القضاء بيمين التهم، ويمين التهم: أن يسند الحكم، أو الوصف، أو الشيء الذي يختلف فيه، أو يستفتى فيه -إذا كان في الفتوى- إلى أمر محتمِل، ويكون إما غير ظاهر، أو يكون متردداً مع غيره، فهو حينما قال لها: أنت طالق اليوم، فظاهر اللفظ على أن المقصود اليوم كله، سواء في أوله أو آخره، هذا ظاهر كلامه؛ لكن حينما قال: أردت آخره، فقد خصص عموم اليوم، فخرج عن الظاهر إلى أمر خلاف الظاهر، إذ لو كان في الحقيقة قاصداً الآخر، لكان قال لها: أنت طالق آخر اليوم، ولصرح وقال: أنت طالق آخر رمضان، لكن كونه يطلق، ويجعل الصيغة بهذا الوجه، قالوا: هذا من خلاف الظاهر أن يسند إلى الآخر، وحينئذ قالوا: نحكم بقبول يمينه، فإذا قال: أردت الآخر، نقبل منه ذلك بشرط أن يحلف اليمين -يمين التهمة- ولذلك قال: دُيِّن، أي: حلف اليمين، ويديَّن، والدين فيما بين العبد وربه؛ لأنه متعلق بالاعتقاد، فيقول له القاضي: احلف، وهذه اليمين بينه وبين الله، إن كان كاذباً فاجراً فيها -والعياذ بالله- فهي يمين غموس، تغمس صاحبها في النار؛ لأن الأيمان في مجالس القضاء تعتبر من الأيمان الغموس -والعياذ بالله-، وكذلك أيمان الحكومة التي تكون في المحاكمة بين الطرفين، حتى ولو كانت عند حَكَم غير القاضي، فإنه إذا حلف اليمين -والعياذ بالله- فإنها يمين غموس، فالشاهد: أنه يحلف اليمين؛ فإن كان صادقاً فيها، فإنها لا تطلق إلا في آخر اليوم، أو آخر الشهر -على ما ذكر-؛ لأنه لو طلق مسنداً الطلاق إلى زمن هو آخر اليوم، أو آخر الشهر؛ فيبقى الطلاق معلقاً إلى وقوع ذلك الآخر؛ لكن لو كان كاذباً في هذه اليمين؛ فإننا نقبل منه في الظاهر، وأما في الباطن فإنه لا يقبل منه ذلك.

فائدة المسألة: أننا لو فرضنا أنه قال: أردت الآخر، وكانت زوجته ممن تعتد بالأشهر، ثم إن هذه الزوجة طلقها، وقلنا: إن الرجعية يرثها، وترثه، وبقيت ثلاثة أشهر، فتوفيت في أول يوم السبت، فحينئذ إن كان الطلاق مسنداً إلى آخر السبت؛ فقد توفيت وهي في حكم زوجته؛ لأن الرجعية تورث، وإن توفيت في آخر السبت؛ فإنه لا يرثها، فإن كان قد كذب في يمينه، وحكم القضاء أنها زوجته، وتوفيت في أول السبت، وكذب وقال: قصدت الآخر، فإن ميراثها لا يحل له فيما بينه وبين الله، وإن كان قضاءً في الظاهر أنه يرثها، وتأخذ حكم المطلقة الرجعية على القول الذي يقول بتوريثها.

قوله: (وقُبل) أي: وقبل منه الإسناد إلى آخر اليوم؛ لأنه في بعض الأحيان يحلف اليمين، ولا يقبل منه قضاءً، لكن يقبل منه ديانة فيما بينه وبين الله عز وجل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>