[متى يباح طعام الوليمة]
قال رحمه الله: [وإباحته متوقفة على صريح إذن أو قرينة].
عندنا لفظان: إجابته وإباحته، فقد تكون في بعض المسائل إجابته وفي بعضها إباحته.
فإجابة الدعوة متوقفة على صريح إذن بالحضور، فما يأتي الإنسان بدون إذن، ولا يحضر الدعوة بدون إذن.
وعندنا (إباحته) وهي في غالب النسخ، وهي الأظهر هنا، أي: إباحة طعام الوليمة، فيكون المصنف شرع في مسألة إباحة طعام الوليمة.
يباح طعام الوليمة بصريح إذن أو قرينة، صريح الإذن مثل أن يرسل لك البطاقة ويقول: أدعوك لتناول طعام العشاء أو لحضور العشاء، هذا كله صريح في الإذن، فقد أذن لك أن تحضر وتتعشى، فحينئذٍ لا إشكال.
أما القرينة الدالة عليه فمثل: مد الموائد وبسطها، فإذا مد المائدة وبسطها وأشار بيده، ولم يتكلم؛ فإن هذه قرينة دالة لإباحته؛ لوجود الطعام بيننا وتقريبه إلينا، أو جاء والجماعة جالسون فوضع السفرة عندهم ثم وضع الطعام، فهذا معناه أنني أتيت بهذا الطعام لكم وقد أذنت لكم أن تأكلوا منه.
واختلف العلماء، فقال بعض العلماء: وضع الطعام لا يدل على الإذن ما لم يأذن صاحبه، وقال بعضهم: الدعوة إذن وإباحة بالأكل.
فائدة المسألة: ما يقع الآن في بعض الأحيان، حيث تمد السفر ثم يوضع الطعام عليها، ولا يتكامل الطعام ولا ينتهي، فيأتي بعض الناس ويأكل قبل تمام السفر، فإن قلنا: الدعوة إذن بالطعام، حل له ذلك، وإن قلنا: لابد من إذن أو قرينة فلا الإذن موجود ولا القرينة؛ لأن القرينة ما تكون ظاهرة إلا بعد اكتمال السفر وتمامها، فإذا تمت السفر واكتملت سنأكل، ولذلك يقبح أن يأكل قبل الآخرين، خاصة العلماء وطلاب العلم وأهل الفضل، فإن وجد هذا في طالب علم أو إنسان له مكانة أو إمام مسجد يأتي بمجرد ما توضع السفرة ويمد يده إليها ويأكل، فهذا من خوارم المروءة.
ما أبيح وهو في العيان يقدح في مروءة الإنسان فينتظر حتى يؤذن لهم، ولذلك قالوا: يستحب لطالب العلم دائماً أن يأخذ بالكمالات، فعندنا قول يقول: مجرد الدعوة إذن، وعندنا قول يقول: الإذن يكون بعد وضع الطعام، وقوله تعالى: {إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب:٥٣] قيل: إن هذا يعني أن مجرد الدعوة يكفي، وقال بعض العلماء: لا، بل لابد أن يأذن صاحبه، فتأخذ بالأكمل وهو أن يأذن لك صاحب الطعام، فيصبح هذا إكراماً لعلمك، وإكراماً لكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي في صدرك، فلا تنظر للشيء بنفسك، وإنما تنظر بحق العلم عليك، وما فعلت ذلك إلا كنت بخير المنازل، فإنه من المجرب أن طالب العلم إذا كان دائماً يأخذ بالكمالات يرفع الله قدره، ويقذف الله في قلوب الناس حبه وإكرامه وإجلاله كما صان العلم وصان كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أحسن بحق العلم عليه؛ فإن الله عز وجل يقذف في نفوس الناس الشعور بحقه ومكانته، والعكس بالعكس.
ولذلك تجد بعض الناس إذا جالس الناس له هيبة ومحبة وكرامة، وقد تجده من عامة الناس، لكن تجد عنده من الصفات الحميدة، ومن كمالات المروءة ما جعل الله له به هذا الحال الحسن عند الناس، والعكس: فقد تجد الرجل ولو كان في منزلة عالية، ما أن يصبح متهتكاً ويرتكب خوارم المروءة إلا وجدت الناس لا تشعر له بإجلال ولا تشعر له بهيبة، نسأل الله السلامة والعافية.
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء فلا يزال المسلم بخير ما استحيا وأخذ بكمالات الأمور، فالذي يظهر أنه ينتظر إلى الإذن أو القرينة الدالة على الإذن.
ولذلك جرت العادة في بعض الأحيان أنه إذا وضع الطعام للضيوف أنهم ينتظرون إذن صاحب الطعام، وهذا لا شك أنه أفضل وأكمل؛ لأن صاحب الطعام في بعض الأحيان يحب أن يتكامل طعامه حتى يراه الضيف ويشعر بمكانته عنده، ويحب أن تُرى سفرته وهي على أتم وجوهها وأكملها، فلا شك أن هذا أفضل وأكمل.