بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ويجوز رهن المبيع غير المكيل والموزون على ثمنه وغيره].
تقدم معنا بيان مشروعية الرهن، وبيان الأركان التي يقوم عليها عقد الرهن، وبيّنا جملة من المسائل والأحكام التي صدّر بها المصنف رحمه الله باب الرهن، وشرع المصنِّف رحمه الله في هذه الجملة ببيان مسألة قبض الرهن، وعدم قبضه، فأول ما يقع بين المتعاقدين أن يقول الراهن: رهنتك كذا وكذا، فيُسمِّي الشيء الذي يريد رهنه، فإذا رضي من له الدين، قال: قبلت، فيقول -مثلاً-: رهنتك سيارتي، أو رهنتك داري، أو رهنتك أرضي، أو نحو ذلك مما يُقال بياناً للمرهون، فإذا بيّن لك الشيء الذي يريد أن يرهنه عندك حتى يُسدد الدين، فإن هذا الشيء ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون مما يُكال أو يُوزن أو يُذرع أو يُعد، وإما أن يكون من غير ذلك.
فإن كان مما يُكال أو يُوزن أو يُعد أو يُذرع، فإن الرهن لا يتم ولا يكون إلا بالقبض، وبناءً على ذلك فلا بد أن يعطيك المكيل ويمكِّنك من قبضه، وهكذا الموزون، والمعدود، والمذروع قياساً، فإن كان المرهون مما لا يُكال، فإنه حينئذٍ يصح رهنه قبل قبضه، والأصل في اشتراط القبض أننا نوجب على من يريد أن يرتهن، أن يقبِض الرهن عنده، فإن الأصل في ذلك قوله تعالى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}[البقرة:٢٨٣]، والأصل في هذه الأشياء التي تُجعل في الرهن، إنما جُعلت من أجل أن يبيعها، وعلى هذا فلا بد أن تُقبض إن كانت من جنس ما يُشترط له القبض، وأما إذا كانت من جنس ما لا يُشترط فيه القبض، فيصح أن يَرهَنها قبل قبضها، وعلى هذا فرّق العلماء رحمهم الله -على ضوء ما تقدم معنا-: بين ما يُشترط فيه القبض، وما لا يُشترط فيه القبض، فما اشتُرط فيه القبض في المبيعات، بحيث لا يصح بيعه منك إذا اشتريته حتى تقبضه كالطعام المكيل والموزون، فلا يصح أن ترهنه قبل القبض، والعكس بالعكس، فالشيء الذي لا يُشترط فيه القبض يصح أن ترهنه قبل قبضه.