[شروط يجب توافرها في الوصي]
ولا بد أن تتوفر في هذا الشخص الأمور التي ينبغي مراعاتها في كل من يقوم بهذه الولايات؛ من جهة الدين ومن جهة الدنيا، فهناك أمور من جهة دينية، وهناك أمور من جهة دنيوية.
أما من أوصي إليه بالقيام على اليتامى ونحوهم، فمن الأمور التي تشترط فيه من ناحية دينية: أولاً: الإسلام، فلو أنه لم يجد في أبنائه الكبار من يحسن النظر لليتامى من أولاده، ووجد أخاه، ولكن أخاه كافر، فلا يجوز أن يقيم الكافر وصياً على الأيتام المسلمين، بأي حال من الأحوال؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِين عَلَى الْمُؤْمِنين سَبِيلًا} [النساء:١٤١]، والذي يوصي إلى الكفار قد جعل السبيل للكافر على المسلم بالولاية عليه، وقال سبحانه وتعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانةً مِن دُونكُمْ لا يَأْلُونكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِن أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:١١٨]، وما عرّف أحدٌ بعدوٍ مثل تعريف الله جل جلاله لعباده المؤمنين بأعدائهم، ولذلك يقول في كتابه: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ} [النساء:٤٥].
فبيّن سبحانه وتعالى أن الكافر لا يراعي مصلحة المسلم مهما كان الأمر، إلا إذا كان هناك ضرر أكبر، أو كان هناك خديعة أو مكر، والله عز وجل {يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِين} [الأنعام:٥٧].
فلن تجد أصدق منه حديثاً، ولا أصدق منه قيلاً، ولا أصدق منه حكماً، ولذلك قال تعالى: {لا يَرْقُبُون فِي مُؤْمِن إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة:١٠]، والإل: هو القرابة، والذمة: هي العهد، فالكافر لا يرقب في المؤمن إلاً ولا ذمة، إلا إذا كانت له مصالح، فعندها يخاف من المصلحة أن تفوت، لا مراعاة للإل ولا للذمة، فليس عندهم عهد ولا ذمة، فالمقصود: أن الله تعالى لم يجعل للكافر على المؤمن ولاية لهذه النصوص.
ولما ولى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه كاتباً له نصرانياً -وكان بالشام- لأنه لم يجد في المسلمين من يحسن له الكتابة وتنظيم الكتابة، فعهد بذلك إلى نصراني من أهل الشام، فبلغ عمر ما فعله، فكتب إليه بهذه الآية: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانةً مِن دُونكُمْ لا يَأْلُونكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنتُّمْ} [آل عمران:١١٨]، فقوله تعالى: {وَدُّوا مَا عَنتُّمْ} [آل عمران:١١٨] أي: ودوا عنَتَكم، وهذا يدل على أنه لا خير فيهم، فلا يجوز أن يكون الكافر وصياً على الأيتام، ولا قائماً على شئونهم؛ لهذه النصوص.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يعلو ولا يُعلا عليه)، واليتيم المسلم كالمسلم؛ لأن هذا عند العلماء مُقعَّد على القاعدة المشهورة التي ذكرها الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه: قواعد الأحكام، التي هي: (تنزيل المعدوم منزلة الموجود)، فأيتام المسلمين محكوم بإسلامهم تبعاً لوالديهم.
الشرط الثاني: العقل، فلا يعهد لأولاده وأيتامه وذريته من بعده ولا يُوصِي لشخص مجنون؛ لأن المجنون لا يُحسن النظر لنفسه فضلاً على أن ينظر في مصلحة غيره؛ ولأن الشريعة الإسلامية إنما جعلت الوصية على اليتامى من أجل طلب مصالحهم ودرء الشرور -بإذن الله- عنهم، وهذا لا يمكن أن يتحقق بمن فقد العقل، حتى لو كان جنونه متقطعاً فإنه لا يقام وصياً؛ لأنه لا يؤمن منه الضرر.
الشرط الثالث: أن يكون بالغاً؛ لأن الصبي لا يُحسن النظر، وفيه كذلك قصور، قال تعالى في كتابه: {َالَّذِين لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} [النور:٥٨]، فبيّن أن الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم دون العقل والتمييز والإدراك للأمور، فلو أُقيم صبي وصياً على يتامى، أو وصياً على أموال في تفريقها؛ فإنه لا يُحسن النظر، ولربما خُدع وضحك عليه لنقص عقله.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم-: الصبي حتى يحتلم) أي: حتى يكتمل عقله ويُحسن النظر بفضل الله عز وجل، ثم بهذا العقل الذي يميز فيه بين الأمور صالحها وضارها.
الشرط الرابع: أن يكون حراً؛ لأن العبد المملوك بيّن الله تعالى أنه مشغولٌ بخدمة سيده؛ ولأنه لا ولاية له على نفسه، فكيف يلي على غيره؟ الشرط الخامس -في الوصي الذي يوصَى إليه بالقيام على أمور اليتامى-: أن يكون من أهل العدالة، والعدل هو الذي يجتنب الكبائر ويتقي في أغلب أحواله الصغائر، قال الناظم.
العدل من يجتنب الكبائرَ ويتقي في الأغلب الصغائرَ فالعدل هو الذي استقام على طاعة الله تبارك وتعالى، والتزم شرائعه، وفعل ما أمره الله به، وترك ما حرّم الله عليه، والفاسق هو من يرتكب الكبائر -ولو كبيرة واحدة- أو يصر على صغيرة حتى تصل إلى مقام الكبيرة، فمثل هذا يقولون: كما أنه ضيع حق الله بفسقه؛ فإنه سيضيع حقوق اليتامى؛ لأن أصل الفسق: الخروج عن الشيء، يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت قشرتها، والفاسق سُمِّي فاسقاً لأنه قد خرج عن طاعة الله عز وجل، فإن خرج خروجاً كلياً -والعياذ بالله- بالكفر فهذا فسق الكفر، وإن خرج خروجاً لا يخرجه عن الملة، فهذا فسق العصيان الذي لا يوصل الإنسان إلى حد الكفر.
فمثل هذا الذي يفعل الكبائر وفيه فسق لا يؤمن أن يضيع حقوق اليتامى ويتلاعب بها، فربما قبل الرشوة، فباع أموال اليتامى بثمن بخس، أو باعها حين يكون البيع ضرراً على اليتامى، أو يشتري حيث يكون الشراء ضرراً على اليتامى.
فالمقصود: أنه بفسقه فيه تهتك وفيه تساهل، فلا يؤمن منه أن يضيع حقوق هؤلاء اليتامى، وحينئذٍ يكون مقصود الشرع تحقيق المصالح، فتكون ولايته مضيِّعة لمقصود الشرع.
هذا من جهة الأمور التي ينبغي توفرها في الشخص الذي يُوصَى إليه.