وهذا الشرط أمر الله به في كتابه المبين، وكذلك في هدي سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، وأجمعت الأمة على أنه لازمٌ وواجب، لكن حُكِي عن مالك أنه يراه مستحباً ولا يراه واجباً، والصحيح وجوبه.
ووجه الدلالة من الآية الكريمة أن الله أمر المكلف أن يأخذ الزينة عند كل مسجد، والمراد بقوله:(عند كل مسجدٍ) أي: عند كل صلاةٍ، فيكون قوله:(خُذُوا) أمراً، والأمر للوجوب حتى يدل الدليل على صرفه، ولا صارف له هنا.
وكذلك أمره عليه الصلاة والسلام بستر العورة وهديه صلوات الله وسلامه عليه فيها، حتى نهى الرجل أن يصلي وليس على عاتقيه من ثوبه شيء، ففي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام:(لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء).
وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ستر عورته، وأمر بستر العورة في أحاديث منها حديث بهز بن حكيم رضي الله عنه عند أبي داود قال:(يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك.
قال: قلت: يا رسول الله! إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها.
قال: قلت: يا رسول الله! إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: الله أحق أن يستحيا منه).
ولذلك ورد:(إن معكم من لا يفارقونكم فاستحيوا منهم)، وهم الكرام الكاتبون.
وفي حديث أم سلمة أنه لما سئل عليه الصلاة والسلام عن صلاة المرأة في درعٍ وخمار قال:(في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها)، والصحيح وقفه على أم سلمة رضي الله تعالى عنها.
وكذلك حديث جرهد:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يغطي فخذه)، وحديث جرهد وحديث بهز بن حكيم فيهما كلام، وإن كان بعض أهل العلم يميل إلى التحسين بمجموع طرق هذه الأحاديث.
وقد أجمع العلماء رحمهم الله على وجوب ستر العورة للصلاة، وأن المكلَّف لو صلى الصلاة وهو كاشفٌ عن عورته وقادرٌ على سترها فصلاته غير صحيحة، إلا ما ورد في رواية عن مالك رحمه الله أنه كان يستحب ذلك ولا يوجبه، وإن كان بعضهم يضعفها.