قال المصنف رحمه الله:[وإن طيَّن أرضاً نجسة أو فرشها طاهراً كره وصحت] بعد أن بين لنا رحمه الله أنه ينبغي عليك إذا صليت أن يكون البدن والثوب والموضع الذي تصلي عليه طاهراً، شرع في مسألة النجس غير المتصل، فالنجاسة إذا كان المصلي متلبساً بها إما أن يكون مباشراً لها مثلما قال:(أو لاقاها) وإما أن يكون بحائل، فمن ترتيب الأفكار بدأ بالملاقاة؛ لأنها أقوى ما يكون وهي متصلة بالمكلف وحكمها أقوى وأشد، ثم شرع في مسألةٍ ثانية وهي النجاسة المنفصلة، ويتأتى ذلك لو أن إنساناً علم أن هذا الفراش بال عليه صبيٌ أو فيه نجاسة مثلاً، فجاء بسجادةٍ ووضعها فوق الفراش، بشرط أن يكون الفراش الأسفل الذي حكمنا بنجاسته غير رطبٍ، أي: في حال النجاسة، وأن يكون الأعلى أيضاً غير رطبٍ؛ لأنه لو كان الأدنى نجساً والأعلى طاهراً وأحدهما رطب، فإنه يتشرب النجاسة، فهنا نقول: إنه إذا وضع الطاهر على النجس فإنه قد حيل بينه وبين النجس، لكن من العلماء من يقول: تصح صلاته بدون كراهة؛ لأنه صلى على موضعٍ طاهرٍ، والله عز وجل كلفه طهارة المكان، فلا عبرة بهذا النجس المنفصل عن السجاد، أو عن الحصير الذي يصلي عليه.
ومن أهل العلم من قال: إنه يفرق بين ما تسري فيه النجاسة وما لا تسري فيه، فقالوا: لو أنه وضع تراباً فوق الأرض النجسة وصلى يحكم بأن صلاته صحيحة، ولا كراهة في هذا، ومنهم من قال: تصح مع الكراهة، فيكون وجه الصحة أن الأرض طاهرة، ووجه الكراهة أنه معتمدٌ على نجسٍ، فتكون الكراهة من جهة الاعتماد؛ لأن ثقله وثبوته على الأرض إنما هو ثبوتٌ على أرضٍ نجسة، والحائل طاهر، فقالوا: الحائل يصحح الصلاة، والاعتماد يوجب كراهتها؛ لأن المتردد بين الحل المحض والحرام المحض يوصف بالكراهة على مذهب بعض الأصوليين، لكن يشترط في هذا التراب حينما يوضع على النجس ألا يكون رطباً، وألا تتخلله الرطوبة، ولذلك قالوا: لو طين أرضاً نجسة فجاء بطينٍ ووضعه فوقها في حال طراوة الطين تنجس الطين بملاقاة النجاسة.
وهذه الأمور يذكرها العلماء وهي مسائل فرضية ليس المقصود بها حصر المسائل، وليس المهم أن تعرف حكمها، ولكن الأهم أن تعرف ضابطها؛ لأن الناس لا تسأل عن شيءٍ واضح غالباً، وإنما تسأل عن أمرٍ خفي، فإن كنت قد درست مسائل الطهارة فإنك قد علمت أنه ينبغي طهارة الموضع الذي تصلي عليه، فقد يسألك إنسان عن نجاسةٍ بحائل، ولا يكون فيها طين أو تراب، مثل ما يقع الآن في بعض الحافلات يكون موضع الخلاء -مثلاً- تحت الإنسان، فهل إذا صلى مع وجود هذا الحائل يعتبر كأنه مصلٍ على موضعٍ نجس؟ فهذا كله يذكره العلماء من باب الضابط، والأصل أن يعرف الإنسان القاعدة والأصل في المسألة، وليس المراد أن تحفظ الصورة بعينها بمقدار ما تفهم ضابط الصورة، حتى إذا سئلت عن مسألة مثلها تستطيع أن تخرجها عليها، ولذلك يعرف في الفقه وفي المتون الفقهية ما يسمى بالتخريج، وهو أن يكون أصل المسألة منصوص عليه عند العلماء المتقدمين، وتطرأ مسألة موجودة يمكن إلحاقها وتفريعها على هذه المسألة، وهذا يعتني به العلماء كثيراً لما ذكرناه، حتى يكون الفقيه مستوعباً للمسائل التي تطرأ وتجد عليه من حوادث الناس.