يقول رحمه الله:[باب الموصى له] أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل المتعلقة بالشخص الذي يُوصَى له، فيُعهد إليه برعاية أيتامٍ أو تفريق مال، أو يُوصَى له مباشرة بأن يقال: أعطوا محمداً عشرة آلاف، أو أعطوه الثلث، أو نحو ذلك، فإنه يشمل هذا ويشمل هذا، فهناك يكون موصَىً له، وأيضاً يعتبر وصِياً من جهة كونه قائماً بالرعاية للمال والأيتام.
قال رحمه الله:[تصح لمن يصح تملكه].
إذا وصَّى بمال فلابد أن يكون الشخص الذي يُوصَى له ممن يصح تملكه للمال، فإن كان ممن لا يصح تملكه للمال؛ كالمعدوم، كأن يقول: أعطوا ابن فلان، ولم يولد له بعد، وليس هناك حمل تحقق وجوده، فهذا غير موجود.
وكذلك أيضاً بيّن أنه لا بد أن يكون ممن يصح تملكه، فيُوصَى للشخص الذي يكون أهلاً للولاية على المال، وكذلك استحقاقه.
فأما إذا كان لا يصح تملكه للمال؛ مثل الحربي، فلو وصى بماله لحربي فلا يصح تملكه للمال، ولا تجوز الوصية له؛ لأن أموال الكفار ملكٌ للمسلمين، قال صلى الله عليه وسلم:(فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم).
فدلّ هذا على أن الحربي -أي: المحارب للمسلمين من الكفار إذا لم يفعل ذلك، فمعناه أنه لم يسلم، وأنه باقٍ على محاربته للمسلمين؛ وحينئذ لا استحقاق له في المال، فلو قال: وصّيت لأخي فلان بعشرة آلاف، وكان أخوه حربياً كافراً، لم يصح؛ لأنه ليس له يد على ذلك المال؛ لأن الشريعة رفعت يد الكافر عن ماله إذا كان محارباً.
وقوله:(تصح) أي: الوصية (لِمَن) أي: للشخص الذي (يصح تملكه)، فلو قال مثلاً: وصَّيت لبهيمة، فإنه لا يصح تملكها، وكذلك أيضاً لو قال: وصّيت لملك من الملائكة، فلا يصح تملك هؤلاء؛ لكن إذا وصَّى لشخصٍ معين يصح تملكه صحّت الوصية؛ لأن الوصية يراد منها إيصال الحق إلى شخص، سواء كان ذلك على سبيل الصلة والبر، أو على سبيل المحاباة وكسب المودة، وهذا المعنى لا يتحقق فيمن لا يصح تملكه، كالبيهمة، والملك، والحربي، ونحوهم.
وظاهره العموم كما ذكر المصنف، فيشمل الذكر والأنثى، ويشمل الصغير والكبير، فيصح أن يوصي بماله لصغير فيقول مثلاً: ثلث مالي وصية لذلك الولد، ولو كان دون البلوغ، وهكذا لو وصَّى لحملٍ تحقق وجوده فإنه يصح تملكه.
فعلى هذا لا بد أن يكون الشخص الذي يُوصَى له ممن يصح تملكه، ويشمل ذلك الرجال والنساء كما ذكرنا.