للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تعليق الطلاق بالشروط]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب تعليق الطلاق بالشروط].

التعليق: هو جعل الشيء على الشيء، وقد قال بعض العلماء: إن مادته في اللغة تدور حول ربط الشيء بالشيء ونوطه به؛ ولذلك يقال: علق الثوب على الشجرة، إذا كان الثوب على غصنٍ من أغصانها أو فرعٍ من فروعها فاتصل بذلك الشيء المعلق به.

ومسألة تعليق الطلاق بالشروط مسألة مهمة تكثر بها البلوى بين الناس، فإن كثيراً من الناس إذا أراد أن يطلق زوجته علق الطلاق على وقوع شيء أو على عدم وقوعه، ومن هنا يرد السؤال عن حكم هذا النوع من الصيغ المتعلقة بالطلاق.

والتعليق عند العلماء رحمهم الله له ضابط ذكره بعض أئمة الأصول والفقهاء رحمةُ الله على الجميع.

فضابط التعليق هو: ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، فهناك جملتان، وهناك أداةٌ تربط بين الجملة الأولى والجملة الثانية، ولذا فإن التعليق بالشروط يستلزم وجود شرط يترتب عليه وجود المشروط، والأداة التي تربط بين الشرط والمشروط، فهو إذا قال: أنت طالقٌ إن قمت، أو قال: إن قمت فأنت طالق، فقد ربط حصول مضمون جملة -وهي جملة الطلاق- بوقوع مضمون جملة أخرى -وهي جملة: إن قمت.

أي: القيام- فكأنه يقول: زوجتي طالق إن وقع القيام منها، ولو قال لها: إن قعدت فأنت طالق.

فقد ربط مضمون جملة الطلاق بوقوع مضمون جملة القعود، فإذا حصل القعود حصل الطلاق.

وهذا الربط بين الشرط والمشروط يجعلُ الشرط مرتباً على المشروط، فعندنا شرط وجواب في قوله: إن قمت فأنت طالق.

فالشرط: إن قمت،

و

الجواب

فأنت طالق، فإذا اشترط لوقوع الطلاق قيامها فإننا نحكم بوقوع الطلاق إذا حصل القيام منها.

فالتعليق هو: ربط حصول مضمون جملة -وهي جملة الطلاق- بحصول جملة أخرى -وهي الجملة التي اشترطها لوقوع الطلاق- إن قمتِ إن قعدت إن قرأت إن ذهبت إلى بيت أبيك إن كلمت أمك إن كلمت جارتك إن كلمت أختك ونحو ذلك من الشروط التي يربط وقوع الطلاق بها.

ولذلك قال العلماء في القاعدة المشهورة: إذا وقع الشرط وقع المشروط.

وتعليق الطلاق بالشروط بابٌ من أبواب الطلاق، اعتنى العلماء رحمهم الله به لعموم البلوى به، والناس تختلف الشروط التي تكون منهم فتارة يشترط أحدهم وجود شيء وتارةً يشترط نفي الوجود، فإذا قال: إن لم تخرجي فأنت طالق، فقد علّق الطلاق على عدم الخروج، فيكون تعليقاً بطريقة النفي، وإن قال: إن خرجت فأنت طالق فيكون قد علقه بطريقة الإثبات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>