قال رحمه الله تعالى:[فصل: وما عدا ذلك فحلال] أي: سوى ما ذكر فحلال، وهذا من بديع ذكر المصنف رحمه الله؛ فإنه ذكر المحرمات، ثم أعقبها بالحلال، من هنا يدرك المسلم أن ما أحل الله من الطيبات أكثر مما حرم، ولذلك قال تعالى:{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً}[الأنعام:١٤٥] فجعل الحل عاماً، وجعل التحريم خاصاً، وهذا يدل على سماحة الشريعة ويسرها، ولا يحرم إلا لسبب؛ إما وجود الخبث، وإما وجود الضرر، وقد يكون لسبب إلهي مثل أن يكون مذبوحاً لغير الله عز وجل، كأن يكون مما ذبح على النصب، وأهل لغير الله به.
[كالخيل]: اختلف في الخيل على قولين: قيل بتحريمها، وقيل بحل أكلها، والصحيح جواز أكلها، فقد حل نص صلى الله عليه وسلم على ذلك كما في حديث جابر في الصحيح أنه قال:(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الحمر الأهلية، وأذن لنا في الخيل) وقالت أم المؤمنين: (نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً وأكلناه)، فهذا يدل على حل أكل الفرس، وقد حرم الحنفية وبعض المالكية أكل الخيل، لقوله تعالى:(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل:٨] قالوا: إن الله جعل الخيل مع الحمير، وهذه تسمى: دلالة الاقتران، وهي ضعيفة؛ لأن العطف لا يقتضي المساواة في الحكم، قال تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام:١٤١] كلوا، وآتوا: فالأكل من الثمر ليس بواجب، وآتوا حقه-الذي هو الزكاة- واجبة، فالعطف لا يقتضي من كل وجه التشريك في الحكم، فالصحيح القول بجواز أكل لحم الخيل، وأنه لا بأس بذلك ولا حرج.
[وبهيمة الأنعام، والدجاج، والوحشي من الحمر، والبقر، والظباء، والنعامة، والأرنب، وسائر الوحوش] هذا فقط مجرد تمثيل، وما سوى ذلك الأمر واضح فيه، فلو أنه عدد، لم ينته الكتاب؛ لأن ما أحل الله لا ينحصر، وذلك من سعة رحمة الله بعباده.
وقوله: (بهيمة الأنعام) أي: الإبل، والبقر، والغنم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أكل الإبل، وأكل الغنم كما في حديث الشاة، وحديث الكتف، وكذلك أيضاً البقر، فقد ضحى عن نسائه بالبقر، أما الدجاج، فقد قال صلى الله عليه وسلم:(من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة) ثم الشاة، ثم الدجاجة، فدل على حل أكل الدجاج.