للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الغسل من المني الخارج بغير تدفق]

(دفقاً) والدفق: وصف معتبر اشترطه الفقهاء -رحمهم الله- لقوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:٦] فوصف الله جل وعلا مني الإنسان بكونه دافقاً، ولذلك قالوا: إذا خرج المني دفقاً وجب الغسل.

وهنا مسألة: لو أن إنساناً خرج منه المني على قطرات دون أن يخرج دفقاً، فهل يجب عليه الغسل؟ قولان للعلماء: القول الأول: إذا خرج المني دفقاً وجب الغسل، وإن خرج بدون دفق فلا غسل عليه؛ لأن الله وصف المني بكونه دافقاً، فإن خرج على هيئة قطرات فهو مرض واعتلال في الصّحة لا يوجب الغسل، ولذلك لا يجب من مثله غسل.

القول الثاني: إنه يجب الغسل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الماء من الماء).

وأصح القولين -والعلم عند الله-: أنه إن خرج المني على قطرات مع الشهوة وقصدها أوجب الغسل؛ لوجود المعنى الموجب، وإن خرج قطرات على سبيل المرض أو الاعتلال لم يوجب الغسل؛ لأن العلة التي ذكروها من كونه خارجاً عن وصف القرآن بسبب المرض لا تتحقق إلا في آحاد الصور، وإذا كانت العلة لا تتحقق إلا في آحاد الصور فيجب تخصيصها بما ذكر، ولذلك نقول: الأصل في خروج المني أنه يوجب الغسل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الماء من الماء) فإن حصل للإنسان مرض وخرج منه قطرات، أو أصاب العضو مرض وأخرج منيه على هيئة قطرات دون قصد الشهوة ولم يكن ذلك بها فإنه لا يوجب الغسل، وهذا هو أعدل الأقوال في هذه المسألة إن شاء الله تعالى.

المسألة الثانية: تجد عند بعض المرضى -كمن استؤصلت منه البروستات أو ما يجري في مسألة غدة المسالك- يخرج المني مع البول، وقد يخرج بكثرة وهو دافق، فهل نعطيه الحكم؟ فنقول: مثله لا يوجب الغسل؛ لأنه ليس في حكم الغالب المعتاد، وهو نادر، ويحصل بسبب اعتلال الصّحة؛ فيأخذ حكم المرض، وبالنظر للأصول العامة في الشريعة: فإننا لو أوجبنا الغسل على مثل هذا لكان فيه حرج ومشقة، والشريعة لا حرج فيها ولا مشقة، وهذا حاصل ما ذكر في قولهم: خروج المني دفقاً.

(بلذّة) اللذّة: وصف معتبر، قالوا: إنه يخرج دفقاً مصحوباً باللذّة، وهي اللذّة الكبرى، وخرج بقولهم: اللذة الكبرى، ما يخرج باللذّة الصغرى وهو الذي يسمى: المذي، وهو قطرات يسيرة لزجة تخرج عند بداية الشهوة، فمثل هذه القطرات لا تأخذ حكم المني، والمني يختص باللذّة الكبرى والشهوة الكبرى، وهذا هو الموجب الأول.

يقول المصنف رحمه الله: (خروج المني دفقاً بلذّة) أي: إذا خرج المني من المكلّف بهذه الصورة الجامعة للوصفين: دفقاً وبلذّة، وجب الغسل.

والدليل على ما سبق: ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا فضخت الماء فاغتسل) فدل على وجوب الغسل من خروج المني بالصفة التي ذكرناها، وظاهر قول المصنف: (خروج المني) العموم، أي: سواء خرج المني في يقظة أو خرج في منام، فإن خرج في اليقظة فيستوي فيه أن يكون بجماع أو بغير جماع، وإن خرج في المنام فيستوي فيه أن يتذكر الاحتلام أو لم يتذكر الاحتلام.

أما الدليل على وجوب الغسل بمجرد خروج المني في يقظة أو منام على هذا الإطلاق فحديث صحيح مسلم، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الماء من الماء) فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن وجوب الغسل من الجنابة مبني على وجود الماء وهو المني، فكلما وجدنا الماء -وهو المني- حكمنا بوجوب الغسل، وعلى هذا لو أن إنساناً نام ثم استيقظ فوجد أثر المني في ثوبه، فهل يجب عليه الغسل حتى وإن لم يتذكر الاحتلام؟

الجواب

نعم؛ لظاهر الحديث، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب الغسل دون نظر إلى كونه ذاكراً أو غير ذاكر، وبناءً على ذلك فالعبرة بوجود المني سواءً شعر بكونه احتلم أو لم يشعر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>