[حقيقة النية وأهميتها في قبول الأعمال]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والنية شرط لطهارة الأحداث كلها].
النية مأخوذة من قولهم: نوى الشيء ينويه نِيَّةً ونِيَةً بالتخفيف والتشديد.
والنيَّة في لغة العرب معناها: القصد، تقول: نويتُ الشيء، إذا قصدتَه، سواءً كان ذلك في القول أو في الفعل.
وقول العلماء رحمهم الله: النية شرط في طهارة الأحداث.
مرادهم بذلك: أن يقصد المكلف العبادة، ويكون قصده مشتملاً على التقرب لله جَلَّ وعَلا.
والأصل في وجوب النيَّة ولزومها في العبادات قول الله تعالى مخاطباً نبيه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} [الزمر:٢].
فقوله تعالى: (فَاعْبُدِ) أمر.
وقوله: (مُخْلِصَاً) أي: حال كونك مخلصاً.
وقوله: (لَهُ الدِّيْنَ) أي: لتكن عبادتك خالصة لله جَلَّ وعَلا.
ومن المعلوم أنه لا يتحقق الإخلاص إلا بتجريد النية لله.
وبناءً على ذلك: يتوقف اعتبار العبادة على نية القربة، فلو أن إنساناً وقف يصلي، وأثناء وقوفه لم يستشعر العبادة لله جَلَّ وعَلا، أو فعل أفعال الصلاة وقصد بها رياضة البدن، فإنها لا تعتبر عبادة مجزئة.
إذاً: لابد في العبادة من قصد القربة لله سبحانه وتعالى، فلو أن إنساناً أعطى غيره مالاً، فإن قصد به الزكاة كان زكاة، وإن قصد به المحاباة كان محاباة، وإن قصد به الهبة والهدية كان هبة وهدية.
وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن العبادات لا تصح إلا بنية، وقد قرر الشاطبي رحمه الله مبحثاً نفيساً، ينبغي على طالب العلم أن يرجع إليه -وهو يعتبر إماماً في المقاصد والنيات-، في كتابه: الموافقات، في الجزء الأول في كتاب المقاصد، عقد فصلاً كاملاً لتقرير وجوب النية ولزومها في العبادات، وبيَّن وجه اعتبار الشرع لها، ووجه التزام المكلف بها.
الشاهد من هذا: أنه لا يصح إيقاع الوضوء ولا الغسل من الجنابة على الوجه المعتبر شرعاً، إلا إذا نوى الإنسان به الغسل والوضوء، فلو أن إنساناً اغتسل وغسل جميع بدنه قاصداً التبرد أو نظافة البدن، وكانت عليه جنابة، لم يجزئه ذلك الغسل، إلا إذا نوى رفع الجنابة.
وكذلك الحال فيما لو أن إنساناً كانت عليه جنابة أو امرأة طهُرت من حيضها، ثم انغمس كل منهما في بركة، وكان قصدهما التبرد في فصل الصيف مثلاً، فإن هذه النية لا تجزئهما عن رفع حدث الحيض وكذلك حدث الجنابة.
إذاً: فلا بد من نية الوضوء ونية الغسل، ويستوي في ذلك الطهارة الصغرى والكبرى.
وهذا الذي عبر عنه المصنف رحمه الله بقوله: (لطهارة الأحداث)، والأحداث تقدم تعريفها لغةً واصطلاحاً.
وقول المصنف رحمه الله: (والنية شرط) الشرط في اللغة: العلامة.
وأما في اصطلاح العلماء: فهو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود ولا العدم لذاته.
مثال ذلك: عندما نقول: الوضوء شرط لصحة الصلاة، فإنه يلزم من عدم الوضوء عدم صحة الصلاة؛ لأن الوضوء شرط لصحة الصلاة، ولا يلزم من وجود الوضوء وجود الصلاة، فإن الإنسان قد يتوضأ ولا يصلي.