ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:(نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه)، أثابكم الله؟
الجواب
النضارة: هي الحسن والجمال، فقوله:(نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغٍ أوعى من سامع) حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ندب فيه الأمة إلى حفظ السنة، والعناية بهذا الحفظ حتى يكون حفظاً متقناً لا يرويه بالمعنى، قال:(فحفظها فأداها كما سمعها) فقوله: (نظر الله) النضارة: هي الحسن، قال تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢ - ٢٣] فلما نظرت إلى وجه الله عز وجل ازدادت جمالاً وحسناً.
النضارة التي وردت في هذا الحديث اختلف فيها العلماء على قولين: أولاً: قال بعض العلماء: إنهم يحشرون يوم القيامة تتلألأ وجوههم كالشمس، وهم حفظة السنة، فمن أكثر من حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نضر الله وجهه، ونوره بالسنة، ولذلك أهل السنة على وجوههم نور، وقال بعض العلماء: إن لأهل السنة نوراً في وجوههم في الدنيا، وذلك أن الله عز وجل يجعل لهم النور والنضارة، فوجوههم وجوه خير، إذا رأيت وجه الرجل منهم يطمئن قلبك، ورأيت أنه وجه رجل فيه خير وصلاح وبر؛ لأن الناصية والوجه تابعة للعمل، قال تعالى:{نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}[العلق:١٦].
ولذلك تجد أهل الظلم والأذية والإضرار، لو نظرت إلى شخص منهم يقطع رحمه تجد وجهه مظلماً، وانظر إلى شخص واصل للرحم أو بار بوالديه أو كثير الصدقات أو كثير الحسنات ترى نور الطاعة في وجهه، وهذا أمر جرت به العادة من الله سبحانه وتعالى، وهو معروف، وقوله:(نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها) يعني: سمع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يشمل الصحابة من باب أولى؛ لأنهم الذين باشروا السماع منه بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله عنهم أجمعين، ويشمل من بعدهم؛ لأنه قال:(سمع مقالتي) ما قال: سمع مني، يعني: سمع حديثي، وفي قوله:(مقالتي) يختص بالصحيح دون المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المكذوب لا ينسب إليه عليه الصلاة والسلام، وقوله:(سمع مقالتي فوعاها) يعني: وعى هذه المقالة، وشبه القلب الفاهم للشيء بالوعاء الذي قد حفظ ما فيه، (فأداها كما سمعها) يعني: عنده ضبط في الحفظ، وضبط في الأداء، فيأتي باللفظ كما سمعه، وهذه أعلى منازل حفظ السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فاحفظ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تستطيع، فلك من النور والنظارة على قدر ما حفظت؛ لأن الله وعدنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الفضل العظيم، ومن نضر الله وجهه في الدنيا نضر الله وجهه في الآخرة.
ومن هنا يبدأ الحرص على حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والعناية بما اتفق عليه الشيخان، فيبدأ المسلم بالأحاديث التي في أحكام دينه، مثل أحاديث: عمدة الأحكام؛ لأنها تتعلق بالحلال والحرام والعبادة، وكيفية القيام بحق الله، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الآداب والأخلاق ونحو ذلك، ويتوسع في الحفظ، فالأصل أن هذا الفضل خاص بمن حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: لم يكتم هذا العلم بل أداه وبلغه، فمن بلغ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فحفظه كان له مثل أجره، ولم ينطق لسان ذلك الذي حفَّظْته من أولادك أو من طلابك بهذا الحديث إلا كان لك مثل أجره، ولا يعلمُ أحداً فينطق به ذلك المعلم إلا كان لك مثل أجره، فالله أعلم كم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخير والبركة والأجر؟ ولذلك فازوا بخير لا تستطيع الأمة أن تدركهم في ذلك الخير والفضل، كما قال صلى الله عليه وسلم:(لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) في هذا الحديث إشارة إلى أنهم تبوءوا المنزلة السامية العالية في هذا الفضل العظيم.
نسأل الله بعزته وجلاله أن يعيننا على حفظ السنة ومحبتها، وأن يجعلنا من أهل هذا الفضل، وأن يجعل لنا فيه أوفر حظ ونصيب، والله تعالى أعلم.