أشرتم إلى قول صاحب الشرط السديد أنه قال:(لا تصح الوصية للكافر بلا خلاف)، فهل قوله:(بلا خلاف) تدل على الإجماع، وما الفرق بين قوله:(اتفق) و (أجمع)؟
الجواب
هذه مسألة أصولية، تعرف عند العلماء رحمهم الله بمسألة:(صيغ الإجماع)، وصيغ الإجماع تنقسم إلى قسمين: القسم الأول يسميه العلماء: الصيغ الصريحة، وهي أقوى صيغ الإجماع، وهي صيغة:(أجمعوا)، و (أجمع أهل العلم)، و (أجمعوا واتفقوا)، و (اتفق أهل العلم)، و (اتفق العلماء)، فهاتان الصيغتان:(أجمعوا) و (اتفقوا) تعتبر من صيغ الإجماع القوية النصية، التي لا احتمال فيها، وبعض العلماء يقول: إن (أجمعوا) غير (اتفقوا)، فاتفقوا: للأئمة الأربعة، وأجمعوا: للجميع، وهذا باطل، والمعروف عند العلماء أن صيغة (اتفقوا) من صيغ الإجماع كصيغة (أجمعوا)، لكن قد يكون هناك مصطلح خاص لبعض العلماء، فيذكر في كتابه (اتفقوا) للأئمة الأربعة، ويذكر (أجمعوا) لإجماع العلماء والأئمة، إذا كان هذا فهذا مصطلح خاص، لكن المعروف عند العلماء أن (اتفقوا) من صيغ الإجماع الصريحة والقوية كـ (أجمعوا).
أما بالنسبة للصيغ الضعيفة والصيغ المشتملة فمثل:(لا خلاف)، (بغير خلاف)، (لا نعلم خلافاً)، (لا نعلم مخالفاً)، فهذه صيغ مشتملة، فقوله:(بغير خلاف نعلمه) أضعف من قوله: (بغير خلاف)؛ لأنه إذا قال:(بغير خلاف) فهي أقوى من قوله: (بغير خلاف أعلمه) أو (بغير خلاف نعلمه)؛ لأنه ربما كان بحثه في المسألة فيه قصور، وحينئذ قد يوجد مخالف، لكنه لم يطلع على ذلك المخالف، أما إذا جزم وقال:(بغير خلاف) فهذه أقوى من تقييده بالعلم، هذا هو المعروف عند العلماء رحمهم الله.
والنوع الأول من الصيغ: هو الذي يحكى به الإجماع، وإذا قيل:(بغير خلاف) فإنه معتبر، خاصة إذا كانت كلمة (بغير خلاف) من علماء وأئمة عُرفوا بتتبع أقوال العلماء رحمهم الله، فمثلاً: إذا قال شيخ الإسلام: (بغير خلاف)، فالغالب أن مثل هذا يقارب الإجماع، إن لم يكن إجماعاً؛ لأن شيخ الإسلام رحمه الله كان عنده سعة واطلاع كبير في العلم، حتى إنه نقد (مراتب الإجماع) للإمام ابن حزم، ولذلك لما ناظره العلماء في مسألة من مسائل أهل البدع، قال له: والله ما من بدعة في الإسلام إلا وأنا أعلم أول من قالها، ومتى قالها، وما هي شبهته في قولها.
وهذا من سعة علمه رحمه الله واطلاعه على أقوال الأئمة والسلف، رحمه الله برحمته الواسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.