قال رحمه الله:[وإن شهد برضاع أو سرقة أو شرب أو قذف فإنه يصفه] أي: يلزمه أن يصف الرضاع، ويصف السرقة، مثل: عدد الرضعات، وتقبل شهادة النساء فيه، فلو قالت: أربع أو خمس رضعات مشبعات معلومات، قبلنا منها؛ لأن هذا يترتب عليه أحكام.
وقد ذكر العلماء ومنهم الإمام العز بن عبد السلام، والإمام ابن قدامة: أن الشهود ربما شهدوا بالشيء يظنونه شرعياً وهو ليس بشرعي، ولربما بمجرد أن يرى الطفل التقم الثدي فهم أنه رضع رضاعة شرعية، فيأتي ويقول: فلان رضع من فلانة رضاعة شرعية، فهذا لا يقبل، ومن هنا قالوا: لا يقبل الجرح إلا مفسراً، فلو قال مثلاً: هذا الشاهد فاسق، فيقول له القاضي: بم تفسقه؟ بماذا هو فاسق؟ أو لو أن شاهداً جاء وشهد على شخص فقال المشهود عليه: أنا آتي بما يطعن في شهادته، فأتى بشخص يطعن في الشاهد، فنقول له: هل تطعن في الشاهد؟ فإذا قال: نعم، وهذا الشاهد لا يقبل منه القاضي شهادته حتى يفسر، فيقول له: بم رددت شهادته؟ وبم تطعن في شهادته؟ قال الإمام الشافعي رحمه الله: حضرت رجلاً مستهلاً يصيح ويطعن في شاهد، ومن توفيق الله للقاضي أن قال لذلك الذي يطعن في الشاهد: لا أقبل منك حتى تبين جرحك له، فقال: أنا أعلم ما الذي يجرح وما الذي لا يجرح -ما شاء الله! هناك بعض الناس يصل إلى درجة لا يسأل عما يفعل ولا يسأل عما يقول- فقال القاضي: لا أقبل طعنك ولا أقبل قدحك حتى تبين، فقال الرجل: رأيته يبول قائماً.
سبحان الله! وهل إذا بال قائماً سقطت شهادته وتركت؟ والنبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث حذيفة أتى سباطة قوم فبال قائماً، فقال القاضي: وما عليه أن يبول قائماً؟ قال الرجل: إذا بال قائماً تطاير البول على ثوبه، ثم إذا تطاير على ثوبه صلى بذلك الثوب وبطلت صلاته، فهل عندك شك في بطلان الصلاة بالبول؟ فقال له القاضي -وهذا من فقهه وعلمه-: هل رأيت بوله يتطاير على ثوبه، ورأيت البول على الثوب عندما صلى؟ فأسكته.
إذاً: فلا يمكن أن يقبل الطعن في الشهادة إلا مفسراً، وقد يأتي العامي فيظن شيئاً فيقبل منه، وإلا استغل القضاء بشهادة الجهال، ولذلك ينبغي صيانة القضاء، وانظر كيف أن الفقه الإسلامي دقيق في كل شيء؛ لأنه مبني على شريعة كاملة، ولن تجد مهما بحثت لا من قوانين وضعية ولا غيرها من يستطيع أن يدخل في التفصيليات من الإثبات والحجج مثلما بينته هذه الشريعة، فالحمد لله على فضله.
إذاً: لابد أن يبين معاملته مع غيره، فإذا أراد أن يبيع.
فعليه أن يسأل: هل باع شيئاً يملكه؟ هل البيت مباح؟ هل هو على صفة يحكم بها بصحته أو لا؟