[حكم دفع الزكاة إلى فرع أو أصل]
قال المصنف رحمه الله: [ولا إلى فرعه وأصله].
أي: ولا يجوز دفع الزكاة إلى الفرع ولا إلى الأصل.
والفرع: هو الذي ينبني على غيره، تقول: فروع الشجرة؛ لأنها منبنية على أصلها، وتقول: الجريد فرع النخلة؛ لأنه منبن على جذعها، فالفرع هو الذي انبنى على غيره، والأصل هو الذي ينبني عليه غيره، فالفرع مبني على غيره.
والأصل مبنيٌ عليه الغير، وعلى هذا يقولون في الإنسان: أصوله آباؤه وأمهاته، الأقربون والأبعدون، فأبوه وجدُّه وإن علا يعتبر أصلاً له، وأمه وجدته وإن علت أصلٌ له، ويشمل ذلك المباشر وغير المباشر.
الفرع: وهم الذين يلدهم الإنسان، فله عليهم ولادة كابنه وبنته، وإن نزل الابن وإن نزلت البنت كبنت بنت البنت، وابن ابن الابن، كل هؤلاء يعتبرون من الفروع.
فلا يجوز دفع الزكاة لا إلى الأصول ولا إلى الفروع، والدليل على ذلك السنة الصحيحة التي دلت على أن الفرع مع الأصل كالشيء الواحد، وهذه المسألة نص عليها جماهير العلماء، حتى حُكي الإجماع على أنه لا يجوز صرف الزكاة لا إلى الفروع ولا إلى الأصول، والدليل على ذلك من السنة الصحيحة حديث فاطمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما فاطمة بضعة مني)، وبضعة الشيء كالشيء؛ لأنها قطعة منه، فدل على أنها وإياه كالشيء الواحد.
وأخذ العلماء من هذا دليلاً على أنه لا يجوز أن يصرف الزكاة لأبنائه ولا لبناته؛ لأنه إذا فعل فكأنما يصرف لنفسه، لأنه قال: (إنما فاطمة بضعة مني)، وتأكد هذا أيضاً بالحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم)، وقال للرجل: (أنت ومالك لأبيك).
فهذه نصوص صحيحة من السنة جعلت جماهير العلماء رحمة الله عليهم يحكمون بعدم جواز صرف الزكاة للأصول وكذلك للفروع؛ لأن السنة دلت على أن الأصل والفرع كالشيء الواحد، وعلى هذا فلو أعطى أباه أو أمه من الزكاة فكأنه يعطي نفسه، وإنما يجب عليه أن يقوم بحق والديه من الإحسان إليهما.
ولا شك أنه من أعظم العقوق أن يكون الابن غنياً أو تكون البنت غنية -والمراد بالغني من عنده الفضل عن حاجته- ومع ذلك يرى والديه في الفقر والشدة ولا ينفق على والديه، فهذا من أشد العقوق الذي يؤذن بمحق البركة من المال، بل وبمحق التوفيق للإنسان، نسأل الله السلامة والعافية.
فلن تجد إنساناً يحرم والديه من فضلٍ أعطاه الله إياه إلا محق الله له البركة فيما أعطاه، وقد يجعل ما أعطاه وبالاً عليه في دنياه أو قد يجمع له بين وبال الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة والعافية.
ولذلك ينبغي على الإنسان أن لا يبخل بماله على والديه، وإذا استطاع أن يبادرهما بالإنفاق قبل أن يسألاه فذلك من أكمل البر، ولذلك قال الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة:٨٣]، فأصل التقدير: أحسنوا بالوالدين إحساناً، وقال تعالى: {إِحْسَانًا} [البقرة:٨٣] وهذا مطلقٌ في الإحسان، أي: قدر ما تستطيعون من بذل الإحسان، وما يحسُن به حال الإنسان، أي: ما يُحسِن به إلى والديه في حالهما، سواءً بالقول أو الفعل، ولذلك لا يجوز أن يكون عنده المال ويؤدي الزكاة ووالديه في فقر ومسكنة، فهذا يعتبر من العقوق، ونص العلماء رحمهم الله على وجوب قيام الابن بالإنفاق على والديه إذا احتاجا.