قال رحمه الله تعالى:[وأعطان إبلٍ] أعطان: جمع عطن، وعطن الإبل: الأصل فيه مراحه، وهو المكان الذي يمرح فيه ويستقر فيه، ويكون على أضرب: منها: أن يكون مراحاً له يبيت فيه ويأوي إليه، فهذا بالإجماع عطن ولا إشكال فيه، أو يكون في وقتٍ دون وقت، فله مكان في الظهيرة يعطِن فيه، ومكان في الليل يعطِن فيه، فإنه إذا عطن في هذا المكان وهو الذي يكون في وقت الظهيرة يوصف بكونه من أعطان الإبل، فلا يشترط أن يمكث جميع وقته في هذا المكان، أعني: وقت راحته أو وقت مراحه.
فالأعطان لا تصح الصلاة فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أعطان الإبل كما في صحيح مسلم أنه قال:(صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل)، فنهى عن الصلاة في أعطان الإبل، والصحيح أن العلة أنها خلقت من الشياطين، وأنها مواضع الشياطين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فالعلة -والعياذ بالله- وجود الشياطين بها وتلبسها بالإبل، ولذلك أمر بالوضوء من لحم الجزور ولم يؤمر من غيره، ونهى عن الصلاة في معاطن الإبل، قالوا: إنها لا تخلو من حضور الشياطين فيها، والأحاديث صحيحة في هذا المعنى، وقد تكلم الإمام ابن القيم كلاماً نفيساً في (أعلام الموقعين) حبذا لو يرجع إليه في بيان بعض الحكم والأسرار المبنية على تحريم الصلاة في أعطان الإبل قالوا: فلمكان حضور الشياطين فيها يتقيها المصلي، ولهذا نظير فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بات عند قدومه إلى المدينة وعرس كما في حديث حذيفة في الصحيحين واستيقظ وقد نام عن صلاة الفجر قال:(ارتحلوا فإنه موضعٌ حضرنا فيه الشيطان) قالوا: فهذا أصل يدل على أن المواضع التي تحضرها الشياطين لا يصلى فيها، فلذلك نهي عن أعطان الإبل لمكان وجود الشياطين فيها.
والنهي عن الصلاة في أعطان الإبل يحتج به الشافعية رحمهم الله على أن روح أو فضلة ما يؤكل لحمه نجس؛ لأن أعطان الإبل حكم بنجاستها، لكن ينقض هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الصلاة في مرابض الغنم، فلو كانت فضلة ما يؤكل لحمه نجسة لكان روث الغنم نجساً أيضاً، ولذلك يقوى القول بأنها طاهرة، وحديث مرابض الغنم يدل على طهارتها، وحديث أعطان الإبل لا يستلزم الحكم بالنجاسة.