يسنّ للناس أن يعتنوا بتسوية الصفوف، والمراد بهذه السنة أنها من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسوية الصفوف وإقامتها من إقامة الصلاة، وقول الجماهير على أنه يجب على الناس أن يسووا صفوفهم، وأن من لم يسو الصف فهو آثم، وذلك لدليلين: أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (استووا)، وقال:(ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، وقال:(عباد الله لَتُسَوُّونَّ صفوفكم)، فجاء بصيغة التأكيد الدالة على اللزوم.
الدليل الثاني الذي يدل على وجوب تسوية الصفوف ولزومها: أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد على الإخلال بهذا، -فقد ثبت عنه في الصحيح-: (أنه كان يأمر الناس بتسوية الصفوف -قال الصحابي رضي الله عنه-: حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه خرج ذات يومٍ فرأى رجلاً بادياً صدره في الصف، فقال عليه الصلاة والسلام: عباد الله لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم -وفي رواية-: وقلوبكم)، فهذا وعيد، والقاعدة في الأصول أنه إذا ترتب على ترك الأمر وعيد كان هذا دليلاً على أنه من الواجبات، وأن الإخلال به من المنهيات، ولذلك يعتبر الإخلال بتسوية الصفوف من المحرمات، والأمر به واجب، فالناس مطالبون بإقامة الصفوف وتسويتها، وثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة، فالذين يسوون صفوفهم ويعتنون بتسويتها هم مقيمون للصلاة، والله أثنى على المقيمين للصلاة وزكاهم في كتابه، فمن إقامة الصلاة تسوية الصفوف.
وثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن عدم تسوية الصفوف سببٌ لمخالفة القلوب، أو مخالفة الأوجه فيه خطر شديد، حتى قال بعض العلماء: المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: (أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم أو قلوبكم) أن يلبسهم شيعاً وأحزاباً والعياذ بالله، أي: يجعل الناس مفترقين لا يتفقون، فتحصل بينهم النزاعات والخلافات والشجارات بسبب عدم العناية بهذا الأمر وهو تسوية الصفوف، وهو أمرٌ عظيم، وكان عمر رضي الله عنه لا يكبر حتى يأتيه أناسٌ وكّلهم بالصفوف فيعلمونه أن الصفوف قد استوت -رضي الله عنه وأرضاه- حرصاً منه على هذه السنة، وعنايةً منه بها، فيسوّي الصفوف.
وإذا كان الذي وراء الإمام يعقل تسوية الصفوف كطلاب علم، فللعلماء وجهان: فبعضهم يقول: السنة أن تطلق، فدائماً تقول: استووا.
وظاهر الحديث:(حتى إذا رأى أنا قد عقلنا عنه) يدل على أنه إذا كان الناس عندهم علم بتسوية الصفوف، وكان الذين معه من طلاب العلم، أو من العلماء، فلا حاجة أن تقول: استووا.
وهذا مذهب طائفة من العلماء.
وقال بعضهم: لا، بل إنها سنة مطلقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، وكان إذا قام أمر بالاستواء.
ولكلا الوجهين وجهه، خاصةً في هذا الزمان الذي كثر فيه العوام وكثر فيه الإخلال، حتى إن من يعلم ربما نسي وربما ذهل، ولربما قام الإنسان في الصف وهو من العلماء أو من طلاب العلم فغفل عن تسوية نفسه، والإنسان بشر، ولذلك الأمر والتنبيه بها فيه أجر للإمام، وفيه تنبيهٌ أيضاً للناس، فلا حرج في المداومة عليها والأمر بها.