وهذا من هديه صلوات الله وسلامه عليه، والسورة قيل: مأخوذة من السور لارتفاعه، فقيل: سميت سورةً لارتفاعها وعلو شأنها، وقيل: لأن المكلف بقراءته لها يرتفع درجة، فيكون بحالٍ أحسن من حاله قبل قراءتها بفضل التلاوة، وقيل: من السور، بمعنى الإحاطة، وكل هذه أوجه.
فقوله:[يقرأ بعدها سورة] أي: من كتاب الله عز وجل، ولا حرج عليك أن تقرأ سورةً كاملة، أو تقرأ بعض السورة، ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ السور كاملةً، وجزّأ السورة في الركعة الأولى والثانية كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة، ففي فريضة الفجر قرأ:{قُولُوا آمَنَّا}[البقرة:١٣٦]، و:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ}[آل عمران:٦٤]، فالأولى من البقرة والثانية من آل عمران، هذه آية وهذه آية، وكذلك ثبت عنه قراءته بآخر سورة البقرة صلوات الله وسلامه عليه.
وكذلك أيضاً ثبت عنه في الحديث الصحيح قراءة السور كاملة، كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في أكثر من حديث أنه قرأ في الصلوات الخمس السورة في الركعتين، في الفجر كما سيأتي إن شاء الله، وفي الظهر، وفي العصر، وفي المغرب، وفي العشاء، قرأ السورة كاملة، ويجوز للإنسان أن يجمع بين السورتين أيضاً ولا يقتصر على سورةٍ واحدة، فقد ثبت في الحديث أن رجلاً كان يقرأ ثم يختم بـ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:١] في كل ركعة، فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(ما حملك على هذا؟ - أي: ما حملك على أن تجمع بين السورة وسورة الإخلاص- قال: إني أحبها قال: حبك لها أدخلك الجنة)، فهذا يدل على جواز أن يقرن بين السور، وقد قال ابن مسعود:(إني لأعرف السور التي كان يقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها).
فعلى العموم لا حرج أن تقرأ أكثر من سورة، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه استفتح قيام الليل، فقرأ سورة البقرة والنساء والمائدة -كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه - ولم يقرأ آل عمران) قيل: هذا قبل الترتيب في العرضة الأخيرة.
فالمقصود أن هذا كله من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن شئت قرأت سورةً كاملة، وإن شئت قرأت بعض السورة، وإن شئت قرأت نصف السورة في الركعة الأولى أو أكثرها، وفي الركعة الثانية أتممت، فكل هذا من هديه عليه الصلاة والسلام.