قال رحمه الله:[وإن تعذّر رجع ولو لم يستأذن الحاكم].
قوله:(وإن تعذر) أي: إن تعذر عليه أن يرجع إلى المالك الحقيقي، وإن لم ينفق صارت الدابة معرضة للموت، والوقت ضيق، فتعذّر عليه أن يرجع؛ وذلك لصعوبة الاتصال به، أو سافر الراهن، وتعذر أن يتصل به أو يجد وكيلاً عنه، فقام وأنفق، فإنه يرجع؛ لأن الشبهة هنا قائمة، والأصل أن نفقته محسوبة، وقد قلنا هنا: إنه يرجع؛ لأنه لما أنفق هذا المال، فالأصل أن يرجع في ضمانه، هذا هو الأصل، ولما تعذّر عليه الرجوع سقط تأثير الظاهر؛ لأن في الظاهر ما يدل على الشبهة لوجود العذر، وحينئذٍ لا نلزمه، ولا نقول له: يسقط حقك؛ بل نقول: إن من حقك أن ترجع عليه بقدر النفقة.
فلو أنفق عليه مثلاً في حدود خمسمائة ريال، وقيمة الرهن عشرة آلاف ريال، والدين تسعة آلاف ريال، فلما انتهى الوقت جاء وسدد تسعة آلاف ريال، وقال له: أعطني الرهن، فقال: بقي خمسمائة تكفّلتُها نفقة على الرهن، فإن قال: لا أعطيك، فحينئذٍ من حقه أن يطالبه، ويقول له: أعطني هذه الخمسمائة وهي تابعة للدين، فيُلزم بإعطائه، ويجب عليه أن يعطيه، سواءً استأذن الحاكم أو لم يستأذنه.
وبعضهم يقول: عليه أن يستأذن الحاكم والوالي، والمراد بالحاكم هنا القاضي؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(فالسلطان ولي من لا ولي له)، فجعل القضاة والحكام إنما يُرجع إليهم إذا تعذّر الرجوع إلى الأصل، فهم يقومون مقام الناس في القيام على مصالحهم، وعلى هذا قالوا: إنه يرجع إلى الحاكم فيستأذنه أولاً ثم ينفق، ولا شك أن الرجوع إلى القاضي متى أمكنه الرجوع إلى القاضي أحوط.