قال رحمه الله تعالى:[ولا يُقتص من عضو وجرح قبل برئه، كما لا تطلب له دية]: أي: لو أن رجلاً قطع يد رجل، فقال المجني عليه: أريد أن أقتص، فيقال له: انتظر حتى تبرأ مخافة سراية الجناية، وحينئذٍ فننتظر إلى أن يبرأ، ونعرف حدود الجناية، فلا يقتص من عضو ولا طرف، ولا من جرح إلا بعد برئه، فإذا برأ قلنا له: اقتص منه، وهذا كما حديث جابر رضي الله عنه عند الدارقطني رحمه الله، وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم، والعمل على هذا عند أهل العلم رحمهم الله، فالجمهور على أنه لا يُقتص حتى يبرأ الجرح، فنعرف حدود الجناية، وهذا صحيح ولا إشكال فيه.
لكن إن اعتدي عليه فقطعت يده، فقال للقاضي: أريد أن أقطع يد الجاني، فقال له القاضي: انتظر حتى تبرأ، فأصر على حقه ليقتص فوراً، فبعض أهل العلم يقول: يُمكن من حقه، فإذا مُكن من حقه، ثم سرت الجناية بعد اقتصاصه، كما لو قُطع أصبعه، فقال: أريد القصاص وأريد أن آخذ بحقي، فمكنه القاضي، فقطع أصبع الجاني، ثم بعد القطع سرت الجناية حتى سقطت كفه، فسريان الجناية هدر، وفي هذا قصة مشهورة:(أن رجلاً ضرب رجلاً بقرن في ركبته، فقال: يارسول الله! أقدني، فأمره صلى الله عليه وسلم أن ينتظر، فأصر الرجل على القصاص، فقال: أقدني يا رسول الله! فأمره أن ينتظر، حتى ألح عليه فأمره أن يقتص، فلما اقتص سرت الجناية حتى أخذت رجله فعرج، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب حقه، فقال صلى الله عليه وسلم له: بطل جرحك)، أي: ليس لك حق، مادام أنك طلبت القصاص فوراً؛ إذ لو اقتص من الجاني بعدها لكنا قد أوقعنا به الضرر مرتين، وفعلنا به فعلين، وكانت جنايتين في مقابل جناية واحدة، والقصاص يقتضي التماثل، ومن هنا إذا استعجل في مطالبة حقه فقد أسقط حقه بعد ذلك، وقال بعض العلماء: له القصاص، والصحيح ما ذكرناه.
وقوله رحمه الله تعالى:(كما لا تُطلب له دية): لاحتمال أن تقطع أصبعه فتتلف يده كاملة، فيكون له نصف الدية، ومن هنا قالوا: إنه لا يعطى عشر الدية في أصبعه، وإنما ينتظر إلى برئه، فربما سرت الجناية، فكان حقه نصف الدية، فبدل أن يعطى عشر الدية يعطى حقه كاملاً.