[حكم الدخول بالمرأة المعقود عليها قبل إعلان النكاح]
السؤال
ما حكم الدخول بالمرأة التي عقد عليها قبل إعلان النكاح؟
الجواب
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: من حيث الحكم الشرعي المرأة حلال للزوج إذا عقد عليها عقداً شرعياً صحيحاً، لكن هناك أمور مرتبطة بالعرف لا نحرم بها ما أحل الله ولا نحلل بها ما حرم الله، ولكن نقول: أمور تترتب عليها أضرار ومخاطر ينبغي المحافظة عليها والتحفظ فيها.
فالزوجة إذا اتفقت مع زوجها على أن يدخل بها دون علم أهلها ربما دخل عليها بصفة سرية، أو كان يختلي بها في بيتها، فإذا توفي هذا الزوج، وكان قد جامعها أو أصابها وهي بكر فمن الذي يصدق أن الزوج أتاها؟ ومن الذي يثبت أنه قد دخل بها؟ فهذه أمور خطيرة جداً ينبغي أن يتريث فيها.
ولو أن امرأة عقد عليها الزوج، وحصل بينها وبين زوجها جماع قبل الدخول العلني، وشاء الله أن تحدث مشاكل بين الأسرتين فقالوا: لا يدخل عليها ولا يأتيها.
وخاف الزوج أن يخبر أباه بهذا الأمر، أو حدثت أمور خطيرة بين أهل الزوجين.
فما استطاع أن يبين الحقيقة، ثم ظهرت المرأة حاملاً، فمن الذي ينفي عنها التهمة؟ ومن الذي يثبت أن هذا نسب صحيح؟ فهذه أمور فيها مخاطرة، وأمور مضرة ينبغي التريث فيها من ناحية شرعية وعرفية وأدبية، فقد يكون الشيء مباحاً للإنسان لكنه أدباً وأخلاقاً غير مباح.
فهناك أمور ينبغي الحياء فيها ومراعاة الذمة، فأبو المرأة له حق عندي أني لا أدخل على بنته حتى يأذن لي، والله يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:١]، فهذا طعن في حق الوالد وحق الوالدة؛ لأنه جرى العرف أنه لا بد من استئذان أهل الزوجة بالدخول.
فتواطؤ الزوجين وخروج الزوجة مع زوجها، وغير ذلك من الأمور التي فيها نوع من التوسع بين أهل الزوجين ينبغي قفل بابها، خاصة عند فساد الزمان، وخاصة إذا وجد من الشباب والأحداث من لا يبالي بحدود الله عز وجل، ولا يبالي بإنكار ما كان منه من إتيان زوجته وحملها منه.
إن حصل بينهما شيء واتهمت بسببه.
بل قد حدثت حوادث كان الرجل فيها يستخدم هذه الطريقة للإضرار بالزوجة، فتكون بكراً فيعبث بها ويستغلها، فيفتض بكارتها ثم يهددها بما شاء، فليس هناك دليل يثبت دخوله بها، فهذه أمور خطيرة ليست من الحكمة ولا من العقل.
وهنا أنبه على أنه ينبغي على الزوج أن يكون متفهماً لوضع أهل الزوجة، فالوالد والوالدة حينما يحرصان على المحافظة على البنت ومراقبة الزوج عند دخوله بطريقة معقولة فهذا أمر ليس فيه غضاضة وليس فيه منع؛ لأنه يخشى من أمور لا تحمد عقباها.
فعلى كل حال لا بد وأن توضع الأمور في نصابها، وأن يتقي الله كلا الزوجين وأهل الزوجين، فإذا كان الدخول على وجه تضمن فيه الحقوق وتصان، ولا يحدث منه ضرر فهذا مما أذن الله عز وجل به، فالزوجة حلال لزوجها، لكن إذا كان التساهل في مثل هذه الأمور يترتب عليه أضرار على أهل الزوجة والزوجة فالأصل منع ذلك.
ومن الحوادث التي وقعت أن امرأة كانت أكبر أخواتها، وشاء الله عز وجل أن ترتبط بزوج، وكان -نسأل الله السلامة والعافية- فيه استهتار.
فدخل بها وحصل الجماع وافتضها وهي بكر، ثم بعد ذلك حصلت مشاكل بين أهله وأهلها، واستحيا أن يخبر أباه، وحنق في نفسه على أمها، وجعل الانتقام من الأم عن طريق البنت، وتوسلت البنت إليه ورجته وسألته، وما استطاعت أن تكشف الأمر لأهلها إلا بعد أن ظهر الحمل بها.
ولما ظهر الحمل بها اتهمها أهلها بالفاحشة، فقالت: إنه ولده! فقال: أنتِ ما تكلمت من قبل! قالت: ما كنت أعلم أن هناك حملاً.
واتهمت البنت، واتهمت في أهلها حتى إن أخواتها أُسيء إليهن ولم يزوجن من بعدها، وحصل للبيت وللأسرة ما حصل، وبعد مرور سبع سنوات جاء ذلك الزوج المستهتر يسأل نادماً عن حكم ما فعله.
فالشاهد أن هذه أمور لا يتساهل فيها، خاصة في هذا الزمان.
ولا بأس أن يأتي الرجل بأدب فيجلس مع زوجته ويسلم عليها، وأنبه على أنه لا تنبغي المبالغة في مثل هذه الأمور، خاصة أن بعض الأزواج والزوجات يبالغون في إطالة الجلوس والكلام والحديث، وهذه أمور ينبغي أن ترتبط بالآداب وبالأخلاق وبالحياء وبالخجل.
فالإنسان إذا أتى يسلم على زوجه، ويجلس معها، ويباسطها في وقت يستطيع أن يتحكم فيه، كقبل الصلاة بوقت، حيث يستطيع أن يجد له عذراً، أما أن يأتي ويجلس من بعد العشاء إلى ساعات فلا، حتى إن بعضهم شكى لي أن الزوج العاقد يجلس معها إلى بزوغ الفجر، فهذه أمور لا تنبغي، وقد يحصل منها تضايق أهل الزوجة وإخوانها وقرابتها.
فهذه أمور ينبغي أن يتحفظ فيها، خاصة الأزواج، فإنهم ينبهون على أن الزوجة ولو كانت حلالاً، إلا أن هناك أموراً مرتبطة بالعرف، وهناك أموراً أدبية جاءت بها مكارم الأخلاق التي تدعو إليها الشريعة وتحبذ فيها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، وإن بعض الأزواج ليستحي أن يجلس مع والد زوجته في بعض المجالس؛ حتى لا يُحرج في بعض الكلام أو بعض الحديث.
وكذلك تجد بعضهم يذوب خجلاً ولا يستطيع أن يأتي يقابل أخاها أو قريبها، ولا شك أن الأمر بين الإفراط والتفريط، فلا يمتنع الإنسان كلية ولا يبالغ، فالوسط والعدل هو المأمور به شرعاً، نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل.
والله تعالى أعلم.