عندنا -كما تقدم-: الذات والمنفعة، فالحر ذاته لا تملك، وليس محلاً للبيع والشراء، لكن منافع الحر تملك ويعاوض عليها، ولذلك استأجر موسى عليه السلام نفسه على طعمة بطنه وعفة فرجه صلوات الله وسلامه عليه، فأجَّر نفسه ثماني حجج وأتمها إلى عشر، فجعلها إجارة ومعاوضة على مهره.
فالحر لا يملك من جهة الذات، ولكن من جهة منافعه، وكما لا تملك ذاته لا تملك أيضاً أعضاؤه، فليست محلاً للبيع والشراء، ولذلك لا يجوز بيع الأعضاء ونقلها ونحو ذلك؛ لأنها ليس محلاً للمعاوضة، لا كلاً ولا جزءاً، فلا يجوز بيع كليته ولا قرنيته ولا بيع أجزائه؛ لأنها ليست محلاً للمعاوضة، والوعيد في قوله:(باع حراً ثم أكل ثمنه) يشمل الشخص نفسه إذا باع هذا الجزء؛ لأنه ليس محلاً للمعاوضة.
فإذا ثبت هذا فيبقى
السؤال
هل منافع الحر كذات الحر؟
و
الجواب
لا، فإن منافع الحر لها قيمة ويستفاد منها ويستفيد منها صاحبها، فلو أنه أخذ حراً وأقفل عليه، فهذا الحر إما أن يكون صاحب صنعة ويستفيد من عمله وعنده عمل فعطله عن عمله ومنافعه، فيضمن مدة تعطيله، سواء استعمله أو لم يستعمله، كرجل عنده عمل، فجاء شخص وأخذه وأغلق عليه في داره شهراً، فتعطل عن عمله، وعادة أن يكون له في هذا العمل ألف ريال، فنقول له: هذا حر يجب عليك ضمان منفعته التي عطلتها بمنعه والإغلاق عليه، فتضمن الألف ريال له، فيضمن منفعته ولا يضمن شيئاً آخر، ولو كانت أجرته في الشهر عشرة آلاف يجب عليه ضمان العشرة آلاف؛ لأنه حال بينه وبين هذا الانتفاع بسبب حبسه قاصداً الاعتداء؛ فوجب عليه أن يضمنه.
إذاً: إذا منعه ولم يستعمله فإنه يجب عليه ضمانه إذا كان له عمل ومصالح عطله عنها وهو صاحب صنعة، أما لو استعمله ففيه تفصيل: فإنه إذا استعمله لا يخلو من حالتين: مثال: شخص أخذ صبياً، واغتصب هذا الصبي وأخذه من عند أهله، ثم أخرجه -مثلاً- إلى مزرعته خارج المدينة، وجلس هذا الصبي في مزرعة الرجل ثلاثة أشهر، وفرضنا أن هذا الصبي بالغ، أخذه وجلس معه ثلاثة أشهر، فإذا جلس هذا البالغ ثلاثة أشهر في المزرعة وعمل فيها فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون عمل بطواعية منه، كما لو جاء فوضعه في المزرعة، فرأى العمال يعملون فجاء وعمل معهم أو ساعدهم ولم يكرهه أحد على العمل، فحينئذٍ يكون فعله محض التبرع، ولا يجب على الغاصب أن يضمنه؛ لأنه محض تبرع، فقال:(استعمله كرهاً).
إذاً: إذا حصل استغلال من الغاصب فلا يخلو من حالتين: إما أن يستغله بالعمل قهراً وكرهاً، فيجب عليه ضمان أجرة مثله في العمل، فلو كانت الثلاثة الأشهر عمل فيها ومثله يستحق في العمل الذي قام به في سقي الزرع -مثلاً- ثلاثة آلاف، فيجب عليه ضمان الثلاثة آلاف التي هي أجرته، ولو كانت أجرته ألفين في كل شهر فإنه يضمن ستة آلاف.
إذاً: يشترط في استغلال الغاصب للمغصوب وعمل المغصوب عند الغاصب أن يكون بالقهر والقوة، أما لو كان باختياره والرضا فإنه لا يجب عليه الضمان؛ لأنه خرج إلى محض التبرع والإحسان ولا يجب ضمان مثل هذا.