قال رحمه الله:[فصل: ويصح منه استثناء النصف فأقل من عدد الطلاق والمطلقات].
هذا الفصل عقده المصنف رحمه الله للاستثناء، والاستثناء في الطلاق مبحثٌ مهم من مباحثه، والمراد بالاستثناء: أن يستثني المطلق من عدد الطلاق شيئاً معيناً أو يستثني من المطلقات بعضهن، ولذلك ينقسم الاستثناء إلى قسمين: إما أن يكون في عدد الطلاق، وإما أن يكون في المطلقات، فمثال الأول: أن يقول لها: أنت طالقٌ ثلاثاً إلا واحدة، ومثال الثاني أن يقول: نسائي طوالق إلا فلانة، والاستثناء في لغة العرب حقيقته: إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، فهو يقول: أنت طالقٌ ثلاثاً إلا واحدة، فلما قال: إلا واحدةً، أخرج الواحدة من الثلاث، فقالوا: الاستثناء إخراج بعض، فخرج استثناء الكل من الكل، وهو نوعٌ من أنواع الاستثناء سيأتي بيان حكمه.
والاستثناء مبحثٌ مهم من المباحث الفقهية، ذكره العلماء في الطلاق، ويتكلمون عليه في الأيمان، كرجلٍ يحلف اليمين ويستثني فيقول: والله لا آكل اليوم إلا اللحم، أو والله لا أدخل دار أحدٍ إلا دار فلانٍ، أو والله لا أكلم الناس إلا زيداً ونحو ذلك، وكذلك يكون الاستثناء في مباحث العتق، فيعتق عبيده وإماءه ويستثني بعضاً منهم، فمباحث الاستثناء مباحث مهمة يترتب عليها مسائل شرعية في الطلاق والأيمان والنذر والعتق وغير ذلك، ومسألة الاستثناء تستلزم بيان الأصول والقواعد التي يقوم عليها الاستثناء، فهناك مستثنى، ومستثنىً منه، وأداةٌ للاستثناء، فأما المستثنى فيكون عدداً ويكون شخصاً، وهذا في باب الطلاق؛ لأننا قلنا: إما أن يستثني من عدد الطلاق أو من المطلقات.
فلذلك المستثنى إما أن يكون من الأعداد كقوله: أنت طالقٌ طلقتين إلا واحدة، وأنت طالقٌ ثلاث تطليقات إلا واحدة، فقوله: إلا واحدة، المستثنى: واحدة، وهو عدد، أو يكون المستثنى من النساء، وهذا استثناء راجعٌ للمطلقات لا إلى عدد الطلاق، كقوله: نسائي طوالق إلا خديجة، فهذا استثناءٌ من المطلقات.
وأما بالنسبة للمستثنى منه فإن كان الاستثناء عددياً فإنه يكون عدد الطلاق كقوله: ثلاثاً إلا واحدة، وإذا كان من المطلقات يكون ذكره لنسائه كلهن فيقول: جميع نسائي طوالق إلا فلانة.
وأما بالنسبة للأداة فهناك الاستثناء بـ (إلا وسوى وعدا وغير وحاشا وخلا)، فهذه ستة حروف للاستثناء، يقول: نسائي طوالق إلا خديجة، ونسائي طوالقُ ما عدا خديجة، ونسائي طوالقُ غير خديجة، سوى خديجة ونحو ذلك؛ لكن هذه الحروف فيها غير، وغير تأتي على وجهين: فإن قال: نسائي طوالق غير خديجة، خرجت واستثنيت إذا جاءت بالنصب، وأما إذا قال: غيرُ خديجة -بالضم- فالجمهور على أنها تكون طالقةً مع المطلقات من باب التأكيد كقوله: أنت طالق ثلاثاً غير واحدةٍ، أي: أنت لست بطالق طلقة واحدة، وإنما أنت طالق ثلاث تطليقات، وعلى هذا لا تكون دالةً على الاستثناء.