المصنف رحمة الله عليه والعلماء وأئمة الفقه من عادتهم أن يذكروا المسائل الخاصة في مواضعها المناسبة، فالوقف مسائله تنتثر في العبادات والمعاملات، ولكن قد يذكر العلماء رحمهم الله أفراداً من المسائل في المواضع المتعلقة بالأبواب.
إجارة الوقف: إذا كان هناك وقف، وهذا الوقف أوقفه مالكه وقصد به تسبيل منفعته كالمزارع والدور، فإذا قصد أن تكون المنفعة بعينها مستحقة فحينئذ لا إشكال، كأن يتصدق بثمرة المزرعة ويقول: ثمرة المزرعة ثلثها يتصدق به في سبيل الله، فحينئذ لا يجوز بيع هذا الثلث، وينبغي على الناظر أن يبحث عن الضعفاء والفقراء، ويؤدي إليهم حقوقهم كاملة على الوجه الذي أمر الله به، وبهذا تبرأ ذمته.
وأما إذا أوقف على أشخاص معينيين على أن يأخذوا منفعة الأعيان كأولاده وأولاد أولاده، سواء خصَّ الذكور أو الإناث على تفصيل سيأتي إن شاء الله في مسألة الوقف، فإذا جعل هذه الأرض أو جعل هذه العمارة وقفاً على أولاده واتفقوا على إجارتها، وقالوا: تؤجر، فأجرت، فالقيمة وثمن المنفعة وما دفع فيها يكون لكل وارث بحقه وثمنه، فتجوز إجارة الأوقاف.
في الحقيقة الوقف من حيث الأصل يخرج عن ملك الإنسان ولا يتصرف فيه إلا في حدود ما اشترط فيما بينه وبين الله عز وجل، ولذلك لا يملك الواقف الرجوع عن الوقف، ومن أوقف شيئاً فقد أخرجه عن ملكيته، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(إن شئت حبست الأصل وسبلت الثمرة) كما في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وهنا مسألة يخطئ فيها البعض، وهي: أنه إذا أوقف المسجد احتكره، فيفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء، وتصرف فيه وكأنه دار أو شيء يملكه، والواقع أنه ليس بملك له، وليس من حقه إذا أوقف المسجد أن يتصرف فيه إلا في حدود المصلحة، وهذا كله مفرع على مسألة: أن من أوقف الشيء فقد أخرجه من ذمته، وهذا الذي جعل العلماء رحمهم الله في مسائل الأوقاف يردونها إلى القاضي؛ لأن بيع الأوقاف لا يمكن أن يتم إلا عن طريق القضاء؛ لأنه في هذه الحالة ليس هناك مالك للوقف بعينه، وإنما يكون فيه إذن من الوالي ينزل فيه منزلة المتصرف الحقيقي، فمن المصالح التي ينظر فيها القضاة النظر في الأوقاف.
فالمقصود: أنه تجوز إجارة الوقف، كما نص على ذلك جمهرة العلماء رحمهم الله.