[الفتح على الإمام]
قال رحمه الله تعالى: [والفتح على إمامه] إذا صلَّيتَ وراء إمامٍ وارتُج على هذا الإمام أو أخطأ فإنه يحق لك أن تفتح عليه، والفتح على الإمام يكون عند حدوث الخطأ، والخطأ يأتي على صور في تلاوة القرآن، فتارةً يكون الإمام واقفاً عند الآية لا يعرف ما بعدها، وتارةً يُردد الآية على سبيل اللبس مع آيةٍ أخرى، خاصةً في المتشابه من الآيات.
ففي هاتين الحالتين يُفَصَّل في حكمه، فإذا كان الإمام قد ارتُجَّ عليه فقرأ الآية ثم وقف ولم يكمل ما بعدها؛ فإنه حينئذٍ يحتمل أن يكون وقوفه لتدبرٍ أو تفكر أو اتعاظ، ويحتمل أن يكون وقوفه لمكان الخطأ وعدم معرفة ما بعد الآية على سبيل النسيان، فإن غلب على ظنك أنه قد وقف على هذه الآية على سبيل الخطأ جاز لك أن تبادره بالفتح وأن تعاجله به، وأما أن يبادر الإنسان مباشرة بالفتح فلا؛ لأن الأصل سكوت المأموم وعدم كلامه، وإنما أبيح لك أن تتكلم فاتحاً على الإمام عند وجود الحاجة، فلمّا تردد الحال بين كونه محتاجاً أو غير محتاج بُقِي على الأصل.
ولذلك قال العلماء: ليس كل سكوتٍ من الإمام في وسط الآيات أو عند ختم الآيات يدل على أنه قد التبس عليه، أو ارتج عليه، ولذلك هذا النوع من الوقوف ينبغي على الإنسان أن لا يتعجل فيه؛ لأنه ربما قرأ الإمام فأدركه خشوع الآية فقطع نصفها، وربما غلبته نفسه بالفكر والتأثر فوقف حتى يسترجع نفسه، وربما لم يستطع إكمال الآية لضيق نفسه، ونحو ذلك.
قالوا: ففي مثل هذه الصور لا يعاجل الإنسان بالفتح، وهذا إذا وقف الإمام على رأس الآية، أو وقف أثناء الآية، إلا أنهم قالوا: إن وقوف الإمام أثناء الآية أبلغ في الدلالة على كونه ناسياً منه إذا وقف عند آخر الآية.
أما وقوفه عند آخر الآية فلا شك أن مبادرتك بالفتح خلاف الأولى، وذلك أنه من المعهود في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من قراءته سكت، ثم كبر للركوع، فلربما سكت الإمام من أجل الركوع، فلذلك كان وقوفه على رأس الآي وتأخره في قراءة ما بعدها لا يدل على كونه ناسياً.
ومن هنا قالوا: من فقه الإمام إذا كان وقوفه على سبيل النسيان أن يكرر الآية التي وقف عليها، فإن تكراره يشعر من وراءه بالخطأ، فهذا إذا وقف على رأس الآيات.
أما الحالة الثانية: وهي أن يرتج على الإمام، والمراد به: أن تجده يكرر الآية على وجهين وهذان الوجهان لا أصل لهما، بمعنى أن أحدهما الصحيح والآخر خطأ، أما لو كررهما على وجهين يحتملان الصواب -كما هو الحال في القراءات المختلفة- فهذا ليس محل كلام العلماء رحمةُ الله عليهم.
فقولهم: (إذا ارتج) مأخوذ من رج الشيء إذا خض، والمراد بذلك أن الإمام يتردد في الآية.
أما إذا أخطأ فقرأ الآية على غير ما أُنزلت عليه، فحينئذٍ بمجرد خطئه تبادره بالفتح، ويختلف هذا الوجه عن الوجه الذي قبله بكون الوجه الذي قبله يتحرى فيه المأموم، وهذا الوجه يبادر فيه بالفتح.
وقوله: [على إمامه] تقييد فيه نوع من التخصيص؛ لأن الإضافة تقتضي التخصيص، فدل على أنه يُشرع له أن يفتح على إمامه دون إمامٍ آخر، ودون قارئ آخر.
ولذلك صور: الصورة الأولى: لو أن إمامين صلّيا بجوار بعضهما، فأخطأ أحد الإمامين وكنت وراء المصيب وسمعت بخطأ الثاني الذي لا تأتم به، قالوا: لا يفتح عليه؛ لأنه ينشغل عن صلاته خاصةً مع وجود من يفتح عليه.
الصورة الثانية: أن يقرأ بجوارك إنسان كتاب الله عز وجل فيخطئ، فهنا قال بعض العلماء: يجوز لك أن تفتح عليه، بخلاف الإمام.
ومن العلماء من قال: إنه لا يفتح عليه كالإمام الذي لا تأتم به، ومن رخص في الفتح عليه قال: إن هذا -أي الفتح- إنما شُرِع لإصلاح الخطأ في كتاب الله عز وجل، ولعظيم حرمة كلام الله عز وجل، فيُشرع للإنسان أن يبين خطأه، ويُغتفر هذا الكلام ويَقْصِد به الذكر، فخففوا في هذا، كأن يقرأ بجوارك قارئ فيخطئ، فلك أن تقرأ الآية التي يقرأها، وهذا على سبيل التعبُّد لا على سبيل الرد.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة -أعني إذا أخطأ الإمام- فهل من حقك أن ترد عليه أو ليس من حقك ذلك؟ وذلك على وجهين مشهورين عند العلماء رحمة الله عليهم، فذهب جمهور العلماء إلى مشروعية الفتح على الإمام، وأن الإمام إذا أخطأ في قراءته كان من حقك أن تفتح عليه بالصواب، وذهب الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه إلى عدم جواز الفتح على الإمام وقال: إنه يلزم المأموم أن يسكت، وأما الإمام فإنه يتذكر، فإن تذكر فبها ونعمت، وإلا ركع وانتقل إلى موضعٍ آخر من كتاب الله عز وجل.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، وذلك لما ثبت في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة يقرأ فيها، فالتبس عليه، فلما انصرف قال لأبي بن كعب: أصليت معنا؟ قال: نعم قال: فما منعك أن تفتح عليَّ).
قالوا: فهذا يدل دلالة واضحة على مشروعية فتح المأموم على إمامه، وأنه لا حرج على المأموم إذا تكلم بما يعين إمامه على صواب قراءته، وهذا المذهب لا شك أنه أَقرب المذاهب إلى السنة.
وأما ما يفتح فيه من الأخطاء فالصواب أنه يفتح في جميع الأخطاء، سواءٌ أأخطأ بإسقاط آية أم جملة أم كلمة أم حرف أم غير الشكل، وسواء أكان تغيير الشكل محيلاً للمعنى أم غير محيلٍ للمعنى؛ لأن المقصود إصلاح قراءته لكتاب الله عز وجل.
وعلى هذا فيُشرع الفتح على الأئمة في هذه الأحوال كلها، والإنسان مثابٌ على هذا الفتح ومأجورٌ عليه.