للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جواز الشفعة لأكثر من شخص]

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [والشفعة لاثنين بقدر حقيهما] هذه المسألة من مسائل الشفعة مفرعة على ما تقدم، فقد بينا أن الله عز وجل شرع الشفعة للشريك، وبينا محل تلك الشفعة، فلا إشكال أنه لو كان معك شريك لم يقاسم وباع نصيبه فأردت أن تشفع كان لك ذلك، لكن

السؤال

لو كانت الأرض التي وقعت فيها الشفعة بين ثلاثة أشخاص أنت ومعك شريكان، إذا باع واحد من الشريكين، فحينئذٍ يرد السؤال: هل الشفعة تكون لواحد منكما أو تكون لكليكما؟ وإذا كانت لك ولمن معك وهو الشريك الثاني، فهل تقسم بينكما بالسوية أو تكون على قدر الملك؟ المسألة الأولى: الشفعة تثبت للاثنين معاً وللثلاثة وللأربعة أي: لبقية الشركاء الذين لهم شراكة مع البائع في هذا العقار الذي لم يقسم، إذاً تثبت الشفعة لأكثر من واحد، وهذا قول جمهرة أهل العلم رحمهم الله، والسلف والخلف كلهم على أن الشفعة تثبت لأكثر من واحد، وأنها لا تختص بالاثنين فقط إذا باع أحدهما، بل يمكن أن تكون الشفعة لأكثر من واحد.

المسألة الثانية: إذا كانت لأكثر من واحد فهناك صورتان: الصورة الأولى: أن يكون نصيب الشخصين الباقيين بقدر واحد، مثل: لو أن ثلاثة اشتروا أرضاً بثلاثمائة ألف ريال، فباع واحد منهما فمعنى ذلك: أنه قد بيع ثلث الأرض، والاثنان الباقيان كل منهما يملك ثلثاً من الأرض كلها، فإذا كان لكل واحد منهما مثل نصيب الآخر ما فيه إشكال؛ لأنهما سيقتسمان الشفعة، فنقول لكل واحد منهما: لك الحق أن تشفع في النصف، فإذا كانت الأرض بثلاثمائة ألف فباع واحد منا -ونحن ثلاثة- نصيبه بمائتي ألف، هذا النصيب الذي باعه بهذا المبلغ يقال لي ولمن معي: اشفعا في هذا النصيب الذي بيع بالنصف، فيدفع كل واحد منكما مائة ألف، ويأخذ نصف الأرض المباعة الذي هو سدس الأرض كلها، إذاً الشفعة للاثنين المتبقيين بقدر حقيهما.

لكن المشكلة لو كانت الأرض التي بيعت لثلاثة شركاء أحدهم يملك الربع، والثاني له الربع، والثالث له النصف، فباع أحد الاثنين الأولين ربع الأرض الذي يملكه، لو فرضنا أن زيداً وعمراً ومحمداً اشتروا أرضاً، وكان محمد له نصف الأرض، وزيد له الربع، وعمرو له الربع، فباع زيد نصيبه الذي هو ربع الأرض فحينئذٍ يرد السؤال: كيف تكون الشفعة؟ هل هي بعدد الرءوس أو بقدر النصيب؟ إذا قلت: بعدد الرءوس تقسم الأرض بين الاثنين، فإذا كانوا اثنان يشفع كل واحد منهما في نصف الربع الذي هو الثمن، ويأخذه بنصف القيمة.

وإذا قلت: يأخذون الأرض بقدر الحصة -وهو الصحيح- يصبح لمحمد الحق في أن يشفع في ثلثي الربع، وعمرو يشفع في الباقي وهو ثلث الربع؛ لأنها بقدر حصته، وبناءً على ذلك إذا تعدد الشركاء فكانوا ثلاثة فأكثر، فباع واحد نصيبه نظرنا إلى حصة الباقين وأعطيناهم حق الشفعة كلاً بقدر حصته، إن كان الثلث فالثلث، وإن كان الربع فالربع، وإن كان النصف فالنصف على التفصيل الذي تقدم.

إذاً أولاً: الشفعة لا تختص بما إذا كان الشافع واحداً بل تشمل أكثر من شافع في الأرض الواحدة، حتى ولو كانوا أكثر من شريكين.

المسألة الثانية: إذا ثبت أنها تكون لأكثر من شريكين فإنها تكون بقدر الحصص والحق لا بعدد الرءوس، وهذا على أصح قولي العلماء رحمهم الله؛ لأن الشفعة استحقت بالملك، وهذا يملك من الأرض أكثر مما يملكه أخوه، فاستحق أن يشفع بقدر ما ملك.

فهذا مراد المصنف رحمه الله في قوله: (والشفعة لاثنين) أي: فأكثر (بقدر حقيهما) وذلك إذا تبقيا، وليس المراد بـ (اثنين) أنه إذا باع أحدهما والآخر أراد أن يشفع، إنما المراد إذا كان بقية الشركاء اثنين فأكثر.

قال رحمه الله: [فإن عفا أحدهما أخذ الآخر الكل أو ترك] إذا قلنا: إن الاثنين فأكثر لهم حق المقاسمة في هذا النصيب الذي بيع فإن أحد الاثنين إذا قال: لا أريد، يرد السؤال: هل تشفع بقدر الحصة أو يجب عليك أخذ الكل؟ قال رحمه الله: إما أن يأخذ الكل أو يدع، أي: إما أن يأخذ النصف كله الذي بيع أو الربع كله الذي بيع أو الثلث كله الذي بيع وإلا امتنع عليه أن يأخذ قدر حصته، فيأخذ قدر حصته إذا زاحمه شريكه، أما إذا تراجع شريكه فنقول: إما أن تأخذ الكل وإما أن تترك الكل، وهذه المسألة فيها إجماع من أهل العلم رحمهم الله، وحكى الإجماع على ذلك الإمام ابن المنذر رحمه الله في كتابه المشهور الإجماع، بين فيه أن أهل العلم اتفقوا على أنه إذا كان الشركاء اثنين فأكثر ورجع أحد الشركاء عن الشفعة نقول للآخر: إما أن تأخذ الكل أو تترك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>