للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حكم الصلاة بعد الوتر إذا كانت تطوعاً أو ذات سبب

السؤال

أشكلت علي مسألة أنني صليت الوتر، ثم أتيت المسجد، فصليت تحية المسجد، ففقدت فضيلة الوتر؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً).

فكيف أدرك هذه الفضيلة؟

الجواب

هناك فرق بين أن تقول: فقدت فضيلة الوتر، وبين أن تقول: فقدت فضيلة تأخير الوتر، ففضيلة الوتر ما تفوت، والوتر لك أجره، فالله تعالى يقول: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:١٩٥].

فأجرك ثابت، ووترك ثابت، وأبشر بخير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعدما أوتر، كما في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: أنه صلى ركعتين بعدما أوتر.

وبعض أهل العلم قالوا: فعل ذلك لبيان الجواز، وأنه يجوز أن تصلي الشفع بعد الوتر، وقوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) هذا لمن يقوم آخر الليل، فإذا قمت في آخر الليل وأردت أن تصلي؛ فصلِّ ما شاء الله بعد أن تنقض أول الوتر الذي أوترته، ثم تصلي ما شاء الله، ثم توتر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا وتران في ليلة).

فلما قال: (لا وتران) دل على أن الوتر ينقض الوتر، وأنت إذا أوترت في أول الليل، وتريد فضيلة آخر الليل، فقد بنيت على ظن بان خطؤه، كأن كنت تظن أنك ما تستطيع آخر الليل أن تقوم، فإذا قمت نقضت الوتر الأول بركعة، ثم بعد ذلك صلِ شفعاً ثم أوتر، وهو فعل مأثور عن علي رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر، وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وظاهر السنة يدل عليه إذا كان في آخر الليل، أما إذا أوترت من أول الليل، ثم صليت ركعتي الوضوء، أو تحية المسجد، أو أردت أن تتنفل، أو أردت أن تسأل الله من فضله، أو تستغفر من ذنب، فصليت ركعتين، أو أربعاً، أو ستاً، أو ثمانيَ، فلا بأس؛ لأن الشفع بعد الوتر جائز، ولكن الأفضل والأكمل إذا قمت في آخر الليل أن تجعل آخر صلاتك بالليل وتراً.

فلو قمت آخر الليل، وليس عندك نية أن تصلي، ولكن تريد أن تصلي الفجر، فتترك الوتر الأول كما هو، ولك أن تصلي ركعة، ثم تصلي ما شاء الله، ولو ركعتين، ثم توتر، فكله جائز، والأمر على السعة -والحمد لله- وقد دلت السنة على جميع ذلك، دلت على أنه يجوز أن توتر من أول الليل، قالت عائشة رضي الله عنها: (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أوله، وأوسطه، وآخره).

وفي رواية: (من أوله، وأوسطه، وانتهى وتره إلى السحر).

وهذا يدل على السعة والحمد لله، فليس هناك إلزام بشيء، لكن الأفضل والأكمل أنك إذا قمت آخر الليل أن تنقض وترك، ثم تشفع، ثم بعد ذلك تصلي وتراً لكي تصيب دعوة في السحر، وتصيب الدعوة في الوقت الذي تستجاب فيه الدعوة؛ ولأن الصلاة في هذا الوقت أعظم أجراً، وأعظم مثوبة، ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن أفضل الصلاة قال عليه الصلاة والسلام: (وركعتان يركعهما المؤمن في جوف الليل الآخر).

وقال: (إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن).

هذا يدل على فضل أن تكون صلاتك في هذا الوقت.

والسبب الثالث: أنك تمتثل السنة في قوله عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتك بالليل وتراً).

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>