[شروط الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب شروط الصلاة].
هذا الباب المراد به بيان العلامات والأمارات التي نصّبها الشارع للحكم بوجوب الصلاة وصحتها من المكلف.
وتنقسم الشروط عند العلماء رحمهم الله إلى شروط صحةٍ، وشروط وجوب، وأصل الشروط مبحث من مباحث الحكم الوضعي، بمعنى أن الشروط علامات وأماراتٌ من الشارع سبحانه وتعالى نصَّبها لكي تحكم بوجوب العبادة على المكلف، أو تحكم بصحتها، أو عدم صحتها إذا لم تكن مستوفيةً لهذه الشروط.
إذاً لا بد في العبادة من النظر إلى هذه العلامات، وبواسطتها يستطيع طالب العلم أن يقول للمكلَّف: برئت ذمتك وأجزأتك الصلاة، إذا توفرت هذه الشروط المعتبرة لصحة الصلاة، ويستطيع أن يقول للمكلف: عليك إعادة الصلاة؛ لأن العلامة والأمارة التي نصَّبها الشارع للحكم بصحة صلاتك غير متوفرة.
فلو أن إنساناً توضأ بعد دخول الوقت، وستر عورته، واستقبل القبلة، وفعل الصلاة بأركانها، فصلاته صحيحةٌ معتبرة.
لكن لو أنه صلى قبل دخول الوقت صلاة الظهر، أو صلاة العصر، أو صلَّى ولم يستقبل القبلة عالماً بجهتها مخالفاً لناحيتها، أو صلَّى ولم يستر عورته مع القدرة، فحينئذٍ تقول له: صلاتك باطلةٌ، وتلزمك الإعادة؛ لأن الشارع جعل دخول الوقت علامةً على وجوبه، ولا تصح الصلاة قبل دخول الوقت.
وجعل ستر العورة علامةً على صحة الصلاة واعتبارها، فما دمت لم تستر العورة أثناء صلاتك فصلاتك باطلة.
فمبحث شروط الصلاة يحتاجه طالب العلم لكي ينظر إلى الأمارات التي نصَّبها الشارع سبحانه وتعالى، لكي يقول: هذه العبادة معتبرة، وبرئت ذمتك أيها المكلف، فلا تُطَالَب بالإعادة، أو يقول: هذه العبادة باطلةٌ ويلزمك إعادة الصلاة؛ لأن شروط الصحة والاعتبار غير متوفرة.
والشروط: جمع شرط، والشرط في اللغة: العلامة، ومنه سميت الشَّرْطَة.
وأما في الاصطلاح فهو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
فالطهارة يلزم من عدمها عدم الصلاة، ودخول الوقت يلزم من عدمه عدم وجوب الصلاة.
ولا يلزم من وجوده الوجود، فالإنسان قد يتوضأ، ويكون متطهراً، والشرط محققٌ فيه، ولكنه لا يصلي، فيلزم من عدم الشرط عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط.
فقول العلماء: (باب شروط الصلاة) أي: العلامات والأمارات التي نصَّبها الشارع للحكم بوجوب الصلاة على المكلفين، أو العلامات والأمارات التي نصَّبَها الشارع للحكم بصحة صلاة المكلفين واعتبارها، فإن كانت الشروط شروط صحةٍ حكَمْتَ بالصحة أو بعدمها، وإن كانت الشروط شروطَ وجوبٍ حَكَمْتَ بوجوب العبادة أو عدم وجوبها.
فشروط الصلاة تنقسم إلى شروط صحةٍ، وشروط وجوب.
فشروط الوجوب منها الوقت، ولا تجب الصلاة قبل دخول الوقت، ومنها البلوغ، فلا تجب الصلاة على الصبي قبل بلوغه، ومنها العقل، فلا تجب الصلاة على المجنون حتى يفيق.
وأما شروط الصحة فهي: الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة.
فلا تصح صلاة غير المتطهر، ولا تصح صلاة من لم يستر عورته اختياراً، بمعنى أنه قادرٌ على سترها، أما إذا كان غير قادرٍ فسيأتي إن شاء الله الكلام عليه.
ولا تصح صلاة من لم يستقبل القبلة اختياراً، أما إذا كان في حال الاضطرار -كما في السفر- ففيه تفصيل سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وقوله: (باب شروط الصلاة) مناسبة هذا الباب أنه بعد أن بين لك حكم الصلاة، وعلى مَن تجب، وتكلَّم على مباحث الأذان والإقامة، ناسَبَ أن يتكلم عن الشروط؛ لأن من شروط الصلاة دخول الوقت، والأذان متعلق بالوقت، فلما ذكر الأذان ووجوبه ولزومه وصفته، يرد
السؤال
متى يؤذِّن المؤذن؟ وما هو الوقت المعتبر للصلاة؟ ولما كان مبحث الوقت متعلقاً بمبحث الشروط ناسب أن يذكر الشروط معه، فهذا وجه المناسبة.
وهناك وجهٌ ثانٍ وهو أن تقول: بعد أن فرغ المصنِّف رحمه الله من بيان حكم الصلاة، والدعوة إليها بالأذان والإقامة ناسب أن يبين العلامات المعتبرة للإلزام بالصلاة، وهي الشروط، فأتبع ذلك شروط الصحة كما قلنا.